فى دول مثل أمريكا وكندا نجد أن اتساع الهوة بين الدخول والثروات انعكس على السياسة المالية فى الخمسين عاما الأخيرة، من زيادة فى النفقات العامة الاجتماعية لعدم عدالة توزيع الدخل القومى هناك، حيث انتهى الفكر المالى فى هذه البلاد إلى أن نظامها الرأسمالى الذى يستند إلى “قوى السوق الحرة” يؤدى إلى عدم عدالة توزيع الدخول بصورة فجة ومتزايدة فى حالة عدم تدخل الدولة للحد من هذه الظاهرة، وأمام هذا الوضع أصبحت سياسة إعادة التوزيع للدخل القومى حتى فى البلاد الرأسمالية فى الوقت الحاضر “هدفاً للسياسة المالية” فقد وجدت هذه البلاد فى إعادة التوزيع وسيلة لمعالجة المتناقضات الرأسمالية.
وعليه ننتهى من العرض السابق للسياسات المالية فى دول العالم المختلفة، إن منهج إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة يشكل سنداً قوياً لاتجاه النفقات العامة نحو التزايد، فكثيراً ما تلجأ السياسة المالية أيضاَ، رغبةً منها فى تنمية الصناعة المحلية، الى إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الصناعة (وذلك من خلال الاعفاءات الضريبية أو عن طريق الاعانات الاقتصادية)، كما قد تلجأ إلى إعادة توزيع الدخل فى مصلحة الأقاليم المختلفة، وذلك بتخفيض الضرائب عليها، أو التوسع فى توزيع الخدمات المجانية فيها.
وعليه يظل السؤال مطروحاً أين مصر من تلك الدول؟ إنى أرى مزيجاً من مذهب الحياد المالى ومذهب توسع الدولة فى الإنفاق، وهو ما يتعارض مع بعضة البعض، حيث يجب إن تعيد الدولة المصرية النظر فى فلسفة فكرها المالى بحيث يحقق “السلام الاجتماعى” قبل العدالة الاجتماعية، الأمر الذى يدفعنى وبعد أعوام على قيام ثورة 2011 والموجة الثانية لها فى 2013 وهذا التحول السياسى والاجتماعى والاقتصادى أن أسأل، هل ما نفعله بهذا الصدد من إجراءات هو الصواب من الناحية العلمية وهل تطبق المعايير الاقتصادية السليمة الواجبة فى مثل هذه الظروف؟ أم يجب أن يحدث تغيير جذرى فى هيكل السياسات الاقتصادية المتبعة حتى نصل إلى العدالة لمجتمع الملايين، من خلال تبنى ما يعرف بفلسفة “الفن المالى الحديث”، أن هناك كثيرا من الضوابط الاقتصادية يجب أن تؤخذ فى الاعتبار فى مراحل النمو فى أى دولة، خاصة بعد الثورات حتى لا نصل إلى أن أحدنا يستفيد والآخر يدفع الثمن.