تستعد شركة تصنيع السيارات لتخطي شركة “تسلا” باعتبارها الشركة الرائدة العالمية الجديدة في مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل. عندما يحدث ذلك -خلال الربع الحالي على الأرجح- سيشكل ذلك نقطة تحول رمزية لسوق السيارات الكهربائية وتأكيداً إضافياً لنفوذ الصين المتنامي في قطاع السيارات عالمياً.
في قطاع ما زالت تهيمن عليه كيانات أكثر شهرة على غرار “تويوتا موتور” و”فولكس واجن” و”جنرال موتورز”، يحرز المصنعون الصينيون بما فيهم “بي واي دي” و”إس إيه آي سي موتور” تقدماً مهماً. بعد التفوق على الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وألمانيا على مدى الأعوام القليلة الماضية، تنافس الصين حالياً اليابان على الصدارة العالمية في صادرات سيارات الركاب مع صادرات من السيارات الكهربائية بلغت 1.3 مليون تقريباً من أصل 3.6 مليون سيارة جرى شحنها من البر الرئيسي للخارج حتى أكتوبر 2023.
المشهد التنافسي
ذكرت بريدجيت مكارثي، رئيسة وحدة العمليات الصينية في صندوق التحوط “سنو بول كابيتال” الذي يقع مقره في شنتشن، والذي استثمر في كل من “بي واي دي” و”تسلا”: “تبدل المشهد التنافسي لقطاع السيارات. لم تعد المسألة مرتبطة بالحجم والإرث التاريخي لشركات السيارات بل يعود للسرعة التي يمكنها بها الابتكار والتطوير. بدأت “بي واي دي” الاستعداد منذ أمد بعيد لتصبح قادرة على فعل ذلك بطريقة أسرع مما اعتقد أي شخص أنه ممكن، وفي الوقت الحاضر يتوجب على بقية شركات القطاع أن تتسابق للحاق بالركب”.
يعكس التحول في صدارة مبيعات السيارات الكهربائية أيضاً تحولاً في الديناميكيات التنافسية بين إيلون ماسك مؤسس “تسلا”، أغنى مدير تنفيذي حول العالم، ومؤسس “بي واي دي” الملياردير وانغ تشوانفو.
في حين أن “ماسك” كان يحذر من عدم وجود عدد كاف من المستهلكين يمكنهم دفع تكاليف مركباته الكهربائية بمثل أسعار الفائدة المرتفعة الحالية، فإن “وانغ” يعمل بنشاط كبير.
تقدم شركته 6 طرازات بحجم إنتاج مرتفع، والتي تكلف أقل كثيراً مقارنة بأرخص طرازات “تسلا” وهو “موديل 3” الصالون في الصين.
عندما نشر نادي لمالكي “تسلا” مقطع فيديو مايو الماضي يظهر فيه “ماسك” وهو يضحك من سيارات “بي واي دي” خلال طرحها 2011 على تلفزيون “بلومبرغ”، فإنه رد بكتابة أن سيارات “بي واي دي” “تنافسية بقوة هذه الأيام”.
السوق الخارجية
يشكل التغيير الوشيك في ترتيب اختيار المركبات الكهربائية حول العالم تحقيقاً لهدف سبق ووضعه “وانغ” -57 سنة-، عندما بدأت الصين تدعيم قطاع السيارات الكهربائية الذي يتفوق حالياً حول العالم. بينما تواصل “بي واي دي” التفوق عن “تسلا” وكافة العلامات التجارية الأخرى للسيارات بفارق شاسع في الداخل، فإن تكرار نجاحها الجامح في الخارج يثبت أنه مسألة صعبة.
على ما يبدو أن قارة أوروبا مستعدة للانضمام إلى الولايات المتحدة الأميركية في فرض رسوم جمركية أكبر على واردات السيارات الصينية لحماية الآلاف من وظائف قطاع التصنيع. ما زالت أسواق السيارات الكهربائية في الدول الأخرى في مهدها ولا تحقق أرباحاً تقريباً. تنظر الإدارة إلى الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها محظورة عليها فعلياً نتيجة التوترات التجارية المحتدمة بين واشنطن وبكين.
لا يشبه “وانغ” “ماسك”، حيث يتجنب الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويبتعد عن الأضواء بصورة كبيرة. لكن في خطابه الجريء بطريقة غير معهودة الذي ألقاه قبل أسابيع من إطلاق الاتحاد الأوروبي تحقيقاً في طريقة دعم الصين لقطاع السيارات الكهربائية، أعلن “وانغ” أن الوقت قد حان للعلامات التجارية الصينية “لهدم الأساطير القديمة” في عالم السيارات.
وارن بافيت
بينما ما زال العديد من مشتري السيارات خارج الصين على معرفة محدودة بـ”بي واي دي “، فإن وران بافيت يعرفها جيداً. خلال 2008، استثمرت شركة ” بيركشاير هاثاواي” 230 مليون دولار تقريباً مقابل حصة تصل إلى 10% في شركة تصنيع السيارات الصينية. عندما بدأت “بيركشاير” في تقليص حيازتها السنة الماضية – تم تداول أسهم “بي واي دي” على مقربة من أعلى مستوياتها تاريخياً- ارتفعت قيمة حصتها 35 ضعفاً تقريباً مسجلة حوالي 8 مليارات دولار أميركي.
اعتبر نائب رئيس “بيركشاير” الراحل تشارلي مونغر أن لعبة “بي واي دي ” تعتمد في المقام الأول على البطارية. وصرح لتلفزيون “بلومبرغ” خلال مايو 2009 بأن الشركة تعمل على “أحد أهم الموضوعات التي تؤثر على المستقبل التكنولوجي للإنسان”. استثمرت عائلة “مونغر” في الشركة قبل أعوام من “بيركشاير”، وأخبر أحد الصحفيين خلال حوار معه قبل أسابيع من وفاته نوفمبر الماضي بأنه حاول ثني “وانغ” عن الدخول في نشاط السيارات.
استحوذت “بي واي دي” على شركة تصنيع سيارات متعثرة مملوكة للدولة 2003 وقدمت خلال 2008 أول سيارة هجينة تعمل بالكهرباء، تسمى “إف 3 دي إم” أو (F3DM). انتقد أحد المعلقين المتخصصين في صحيفة “نيويورك تايمز” تصميمها الخارجي، واصفاً إيها بأنه ” غير عصري يعود لفترة التسعينيات من القرن الماضي حيث ظهرت السيارة من طراز “تويوتا كورولا”. باعت الشركة فقط 48 وحدة خلال السنة الأولى من طرحها.
دعم حكومي
في تلك الفترة، بدأت الصين تقديم دعم لمشتريات السيارات الكهربائية. اتسع الدعم الحكومي ليشمل المدن والمقاطعات حتى وصل إلى المستوى الوطني بالكامل، وشمل إعفاءات ضريبية للمستهلكين، وحوافز إنتاج للشركات المصنعة، والمساعدة في البحوث والتطوير، ومنح أراضي وقروض رخيصة.
بصفتها شركة تصنيع سيارات متفردة في صنع بطارياتها الخاصة بها أيضاً، كانت “بي واي دي” في وضع مميز يعود عليها بفوائد كثيرة. قبل دخول مجال تصنيع السيارات، كانت أول مورد صيني لأيونات الليثيوم إلى شركتي “موتورولا” و”نوكيا” في مطلع العقد الأول من القرن الـ21. لتوسيع الإنتاج قبل أن يستخدم المستهلكون المركبات الكهربائية، استهدفت الشركة قطاعات السيارات التي ستحتاج إلى الكثير من خلايا البطاريات. أطلقت أول حافلة كهربائية لها بعد فترة وجيزة من تدشين طراز “إف 3 دي إم”.
وصف “مونغر” في حلقة بودكاست “أكوايرد” أُذيعت في أكتوبر الماضي (Acquired ) ذلك بقوله: “حققت بي واي دي معجزة”. ووصف أيضاً “وانغ” بأنه عبقري، قائلاً إنه منع الشركة من الإفلاس بالعمل 70 ساعة أسبوعيا، وقال إنه مهندس شغوف للغاية بعمله. وأضاف: “يتمتع الرجل في “بي واي دي” بقدرة أفضل على تصنيع الأشياء مقارنة بماسك”.
المظهر الجمالي
بعد ما يقرب من عقد ونصف من صنع السيارات، سخّرت “بي واي دي” أذكى العقول لتخفيض أسعار السيارات الكهربائية لمستويات يمكن مقارنتها بالمركبات التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي التقليدي. لكن مجموعة منتجاتها ما زال ينقصها المظهر الجمالي الخارجي الجيد.
في 2016، عينت الشركة ولفغانغ جوزيف في منصب رئيس قسم التصميم، وهي الوظيفة التي سبق وعمل بها في شركة “أودي” (Audi) و”ألفا روميو” ( Alfa Romeo). كما أنها اجتذبت مديرين تنفيذيين دوليين آخرين، من بينهم رئيس قسم التصميم الخارجي في شركة “فيراري” ومصمم داخلي كبير في شركة “مرسيدس بنز”.