يمكن تعريف مصرف الكربون وفقًا للأمم المتحدة بأنه أي شيء يمكنه أن يمتص من الغلاف الجوي أكبر كمية من الكربون والتي يتم اطلاقها من الأرض، ولنضرب مثال على مصارف الكربون كالمحيطات والغابات والتربة والأراضي الرطبة والتي تمثل أكبر مصارف الكربون على مستوى العالم لذلك، فإنه لابد من العمل على حماية وتوسيع مصارف الكربون لأنها بمثابة استراتيجية رئيسية في مواجهة التغيرات المُناخية وتحقيق الاستقرار على كوكب الأرض.
ولقد اعتبرت تقنيات احتجاز الكربون أو الالتقاط لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من العناصر الأساسية لأبعاده عن الغلاف الجوي في استراتيجيات المُناخ للعديد من دول العالم وذلك من أجل تنفيذ الالتزامات الدولية بإزالة الكربون بحلول عام 2050، ولكن لم يثبت الجدوى الاقتصادية لهذه التقنيات علاوةً على أنها مرتفعة التكاليف، وهناك صعوبة في الترويج لها بين الأفراد العاديين لذلك فإن التكلفة هي إحدى العقبات التي تحول دون توسيع استخدام تقنيات احتجاز أو التقاط الكربون.
والآن يطرح سؤال هام ما هو الفرق بين إزالة الكربون واحتجاز الكربون؟
تُعدُ إزالة الكربون بمثابة عملية يتم فيها إزالة انبعاثات الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي، وتم ذلك من خلال بعض الإجراءات مثل القيام بزراعة الأشجار أو التقاط وعزل الكربون من مصانع الطاقة الحيوية والوقود الحيوي مما قد يؤدي إلى الإبطاء من تغير المُناخ أو الحد منه، ولكن لا تُعدُ هذه العملية بديلة عن خفض غازات الاحتباس الحراري، أما احتجاز الكربون فهو بمثابة عملية لأخذ الانبعاثات الناتجة عن النشاط الصناعي أو الناتجة عن توليد الطاقة والعمل على تخزينها في أعماق الأرض، ويمكن القول بإيجاز أن إزالة الكربون هي القضاء على انبعاثات الكربون بعد دخولها في المجال الجوي، أما تخزين واحتجاز الكربون فهو بمثابة عملية لمحاصرة انبعاثات الكربون بعد انبعاثها مباشرةً، ولكن قبل النفاذ والدخول إلى المجال الجوي.
وهناك 3 أنواع رئيسية لتقنيات احتجاز الكربون وهي:
الأولى- يتم الالتقاط بعد الاحتراق: يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون من الغازات الناتجة عن طريق المداخن حيث يتم حرق الوقود الأحفوري في محطات توليد الطاقة أو المنشآت الصناعية، وفي غالب الأمر يتم ذلك باستخدام المواد الماصة أو المذيبات الكيميائية قبل انبعاث الكربون إلى الغلاف الجوي.
الثانية – يتم الاحتجاز قبل الاحتراق: يُحجز الكربون قبل حرق الوقود، وفي بعض الأنظمة لتوليد الطاقة يتم تحويل الوقود مثل الغاز الطبيعي أو الفحم إلى خليط من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون قبل الاحتراق، ثم يتم الالتقاط لغاز ثاني أكسيد الكربون قبل حرق الهيدروجين.
الثالثة- عن طريق حرق الوقود بالأكسجين: يتم حرق الوقود بالأكسجين بدلًا من الهواء، حيث ينتج غاز مداخن يتكون بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ثم يُكثف بخار الماء فيترك تيارًا من ثاني أكسيد الكربون والذي يكون نقيًا في أغالب الأحوال حيث يمكن التقاطه، وبعد ذلك يمكن نقله وتخزينه عادة في التكوينات الجيولوجية العميقة تحت الأرض، ويمكن أن يظل غاز ثاني أكسيد الكربون محتجزًا لفترة طويلة وهي عملية تعرف باسم احتجاز الكربون وتخزينه.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تتراوح تكلفة التقاط وتخزين الكربون بين(15 – 120) دولارًا لكل طن/ متر حيث تتفاوت التكلفة حسب مصدر الانبعاثات، وفيما يتعلق بمشاريع الالتقاط المباشر من الهواء تتراوح التكلفة بين( 600 – 1000) دولار للطن/ متر، مما يجعلها أكثر تكلفة حيث يرجع سبب ذلك إلى كمية الطاقة اللازمة لالتقاط الكربون من الغلاف الجوي، ولقد وجد أن تقنيات الانبعاثات لا تحقق معدلات الالتقاط الكاملة، وتشير الدراسات إلى أن تقنيات احتجاز الكربون تحل نصف مشكلة خفض الانبعاثات فقط بحلول عام 2050، ناهيك عن التكلفة والتي تكون مرتفعة جدًا حيث تصل إلى نحو تريليون دولار سنويًا على مستوى العالم، لذلك قدمت بعض الدول دعم حكومي لتنفيذ مشاريع التقاط الكربون مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إيقاف مشاريع بدول أخرى مثل كندا والنرويج بسبب النواحي المالية، كما أن تلك التقنيات غير كافية لكي نتوقع أن تكون قادرة على حل المشكلة بمفردها، لذلك يجب أن يتم تنويع الحلول عن طريق الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
مفهوم «المساهمات المحددة وطنيًا»، وهي خطة العمل المناخي التي تُقدمها الدول الأطراف الموقعة على اتفاق باريس حيث تم وضع المادة 6 في مفاوضات كوب 21 في 2015 وهي متعلقة بفكرة أسواق الكربون التي نشأت في كيوتو 1997 وتم وضعها من أجل مساعدة الأطراف على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وتتضمن المادة 6 العديد من الفقرات المهمة المختصة بتنظيم أسواق الكربون.
ماهي أسواق الكربون، وعلاقتها بالمادة رقم 6 من اتفاق باريس لتغيرات المُناخ؟ (2)
وفقًا للأمم المتحدة يُعرف سوق الكربون بأنه نظام تجاري يمكن الدول من خلاله شراء أو بيع وحدات من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في محاولة للالتزام بالحدود الوطنية المسموح بها للانبعاثات، وذلك بموجب بروتوكول كيوتو أو اتفاقيات أخرى، مثل الاتفاقيات الموقّعة فيما بين دول الاتحاد الأوروبي، ويتم التركيز في هذا المصطلح على أن غاز ثاني أكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري السائد، ويتمّ قياس انبعاثات الغازات الأخرى بوحدات تسمى مكافئات ثاني أكسيد الكربون.
مثال على ذلك، إذا افترضنا أنّ انبعاثات أسبانيا من الغازات الدفيئة 110 مليون طن، وتشتمل المساهمات المحددة وطنيًا لها على 130 مليون طن، مما يعني أنها تمكنت من خفض انبعاثاتها عن الحد الأقصى بـ 20 مليون طن. من جانب آخر، دولة مثل ألمانيا، وصلت انبعاثاتها إلى 140 مليون طن، وبذلك تجاوزت الحد الأقصى من الانبعاثات بـ 10 مليون طن. في هذه الحالة، تستطيع ألمانيا شراء أرصدة الكربون المتبقية لإسبانيا، وبذلك، تحقق ألمانيا أهدافها المناخية، من جانب آخر، تستفيد أسبانيا ماديًا ويتم تحديد سعر الانبعاثات من خلال ديناميكيات العرض والطلب داخل السوق.
وهناك أنواع لأسواق الكربون:
– أسواق الامتثال: تقوم الحكومات والشركات والجهات الأخرى –غير الملتزمة بخفض نسب الانبعاثات- بشراء تعويضات الكربون؛ امتثالًا بالحدّ الأقصى لإجمالي الانبعاثات، وتنشط هذه الأسواق بكثرة في الأسواق الأوروبية والأمريكية.
– الأسواق الطوعية لتعويضات الكربون: فهي أسواق تشارك فيها منظمات تحمل على عاتقها الخفض الذاتي للانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري حيث تسمح تلك الأسواق بشراء الحكومات والشركات والأفراد في استثمارات لمشروعات صديقة للبيئة مقابل الانبعاثات التي ولّدها استخدامهم الشخصي.
وتُعدُ تعويضات الكربون حلًا مؤقتًا للتغلب على الانبعاثات، إلّا أنه حلّ غير مستدام؛ لأن الحكومات والشركات التي تلجأ إليه تقوم بممارسة “الغسل الأخضر” للاستثمارات القائمة على الوقود الأحفوري.
المادة 6 في اتفاق باريس:
تحتوي على عدد من الفقرات، لكن أهمها الفقرة الثانية والرابعة والثامنة وهي كالآتي:
الفقرة الثانية: تسمح للدول الموقعة على الاتفاقية بتداول أرصدة الكربون فيما بينها، بدون إشراف دولي، وبصورة طوعية.
الفقرة الرابعة: يتم تداول أرصدة الكربون لكن تحت إشراف الأمم المتحدة.
الفقرة الثامنة: تحفيز الشركات والمؤسسات على خفض انبعاثاتها عن طريق تطبيق الضرائب على الانبعاثات.
تصريح انبعاثات الكربون (سندات الكربون):
تنادي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والاتجاه نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومن ناحية أخرى نظرًا لأنها تمتلك الأموال ستستمر في تشغيل المصانع والإنتاج عن طريق استخدام الوقود الأحفوري، ثم تقوم بعد ذلك بالذهاب إلى الدول الفقيرة والنامية واغرائهم بالمال من أجل شراء تصاريح الانبعاثات الكربونية وفي نفس الوقت لن تستطيع هذه الدول القيام بالاستثمار في التكنولوجيا الحديثة للطاقة المتجددة دون الرجوع إلى الدول الكبرى التي لديها المعرفة وتمتلك حقوق الملكية الفكرية لتلك التكنولوجيا، وبالتالي ستتم عملية الشراء من الدول الكبيرة، والتي ستعوض المبالغ التي دفعتها في شراء تصاريح انبعاثات الكربون، عن طريق قيامها ببيع التكنولوجيا المتقدمة والحديثة في مجال الطاقة المتجددة لهذه الدول مرة أخرى، وفي هذه الحالة تكون الدول الكبرى قد حققت الهدف الذي تسعى له، وهو الحصول على الوقود الأحفوري (البترول والغاز الطبيعي) بثمن زهيد جدًا عن طريق خفض الطلب العالمي عليه.
وفي ذات الوقت فإن الدول المنتجة للنفط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص مدركة تمامًا لتخطيط الدول الكبرى كأوروبا وأمريكا لتلك السياسة لذلك فإنها تمارس الضغط من أجل الاستمرار في إنتاج الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى الاستثمار في تكنولوجيا تقنيات تنظيف الانبعاثات، وهذا هو الرأي المرجح والواقعي الذي سيلقى قبول الغالبية.