يعاني المدخنون في مصر من تضاعف أسعار السجائر في وقت قياسي خلال هذه الآونة في الوقت الذي يختفي فيه المعروض من السوق لتفجر أزمة جديدة في السوق المصرية تزامنا مع أزمات ارتفاع أسعار الغذاء وتسجيل التضخم لمستويات قياسية تجاوزت 40%.
يرى هان أمان رئيس الشركة الشرقية للدخان، أن الأزمة ناجمة عن أن “كبر حجم سوق السجائر يسمح بأن يكون التلاعب في الأسعار بمراحل البيع النهائية لدى أصحاب الأكشاك والبائعين الآخرين (نصف الجملة)، الذين يبيعون السجائر بأسعار غير مبررة”.
أضاف “أمان”، أن توقعات بعض التجار حدوث خفض جديد لقيمة العملة خلال الفترة المقبلة، قد يكون سبباً وراء الضغط التصاعدي على أسعار السجائر وزيادة التخزين، نتيجة اعتماد خاماتها بشكل أساسي على الاستيراد من الخارج، وفقا لما ذكرته «بلومبرج» واطلعت عليه «بايونيرز مصر».
أكد أن شركته ملتزمةٌ بتوريدَ احتياجات السوق من السجائر، وسترفع الإنتاج 30% إلى 150 مليون سيجارة يومياً، لكن الطلب غير الحقيقي، بغرض التخزين، قادر على امتصاص أي زيادة في المعروض.
وتُعَدّ مصر إحدى أكثر دول الشرق الأوسط مديونيةً، وتَعرَّض اقتصادها الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار لصدمات الأزمة الروسية-الأوكرانية، باعتبار أن مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، إضافة إلى أن البلدين المتنازعين يُعتبران من أهمّ مصادر السياحة إلى مصر. كذلك تواجه البلاد نقصاً في العملات الأجنبية، وقد خفضت قيمة عملتها الجنيه ثلاث مرات منذ مارس 2022.
أسعار السجائر في مصر
يتراوح سعر علبة السجائر المحلية “الأكثر شعبية بين 55 و60 جنيهاً بدلاً من السعر الرسمي البالغ 24 جنيهاً.
شُحّ الدولار
استبعد وائل زيادة، الرئيس التنفيذي لـ”زيلا كابيتال”، أن يكون شُحّ الدولار هو سبب أزمة اختفاء السجائر في مصر ومضاعفة أسعارها، بل أكد أن الأزمة تعود إلى”سلاسل الإمداد الداخلية، واتجاه تجار الجملة إلى تخزين السجائر انتظاراً لرفع أسعارها، فيما تُظهر ميزانية الشركة الشرقية “إيسترن كومباني” عدم وجود نقص شديد في مخزون المواد الخام.
تنتج “الشرقية للدخان” المدرجة في البورصة المصرية، السجائر وتبغ الغليون والسيجار والمعسل، وتبلغ حصتها السوقية نحو 70% مقابل نحو 30% للشركات الأجنبية.
أكد زيادة أن ارتفاع أسعار السجائر لن يؤثر في ارتفاع معدلات التضخم، إذ تُحسَب المعدلات بناءً على الأسعار الرسمية لا على أساس أسعار السوق السوداء أو المنتج النهائي.
عانت شركات مصرية عديدة خلال عامَي 2022 و2023، صعوبات في استيراد احتياجاتها من الموادّ الخام نتيجة نقص العملة الأجنبية، لكن هذا لا يظهر في حالة “الشركة الشرقية” للدخان، إذ لم تمرر الانخفاض في سعر صرف الجنيه بنحو 50% منذ مارس 2022 إلى عملائها، كما لم تقلّص معروضها من السجائر.
الأمر السيئ للشركة، هو “أن زيادة الطلب على السجائر وزيادة أسعارها في السوق الموازية، لن تُراكما أرباحاً للشركة الشرقية للدخان، كون الشركة لا تزال تبيع بالأسعار القديمة الرسمية بلا أي زيادات”، وفق زيادة.
سجلت مجموعة السجائر والدخان أعلى معدل زيادة شهرية في سلة سلع المصريين، خلال يوليو الماضي، إذ بلغ معدل ارتفاع أسعارها 8% على أساس شهري، و52% على أساس سنوي.
بلغ معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية نحو 2%، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فيما تجاوز معدل التضخم على أساس سنوي عتبة 38%.
ورغم أن آخر زيادة رسمية لأسعار السجائر كانت في شهرَي مارس (للسجائر المحلية) وأبريل (للسجائر الأجنبية)، فإن أسعار الدخان ارتفعت بمعدل 5% في مايو، و18.4% في يونيو، ثم 8% في يوليو، وحتى منتصف شهر أغسطس الجاري لا يبدو أن أسعار السجائر تتجه إلى الانخفاض، ما يعني تزايد الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية.
التعديلات الضريبية
يرجع إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان في اتحاد الصناعات المصرية، أزمة السجائر في مصر إلى تباطؤ إصدار تشريع بالتعديلات الضريبية على أسعار السجائر، إلى جانب جشع التجار، معتبراً أن “أزمة نقص الدولار ليست أساس الأزمة الحالية”.
وقال إمبابي، إن”التشريع الضريبي من المفترض أن يرفع الأسعار في السوق بمقدار يتراوح بين 4 و5 جنيهات فقط، وما نشهده الآن ليس له مبرّر، إلا أنه استغلال من التجار، إذ رفع التجار سعر العلبة الواحدة بما يصل إلى 50 جنيهاً”.
أمدّت الشركة “الشرقية للدخان” المدخنين المصريين بنحو 88 مليار سيجارة في العام المالي الماضي، مقارنة بـ94 مليار سيجارة في العام المالي 2021/2022، حسب إفصاح للشركة.
وأكّد رئيس الشعبة أن التجار المحتكرين خزنوا كميات من السجائر “أكثر من الموجودة لدى مصانع الشركة الشرقية للدخان نفسها”.
تهدف موازنة العام المالي الحالي 2023/2024 إلى تحصيل 87 مليار جنيه كإيرادات ضريبية من صناعة السجائر، بزيادة 6 مليارات جنيه على موازنة العام الماضي. لكن مجلس النواب أرجأ تعديل قيم الضريبة حتى نهاية عطلة مجلس النواب شهر أكتوبر المقبل، “ما تسبّب في شُحّ السجائر في الأسواق بسبب تخزين التجار لها، تمهيداً لبيعها بالسعر الجديد”، وفقاً لما قاله إمبابي.