شهدت أسعار الذهب العالمية أسوأ أداء أسبوعي لها منذ سبعة أسابيع، لتسجل انخفاض للأسبوع الثالث على التوالي، وذلك في ظل ارتفاع الدولار الأمريكي واستقرار عوائد السندات الحكومية بعد أن فشلت بيانات التضخم الأمريكية في تغيير أوضاع السوق.
انخفض الذهب الفوري خلال الأسبوع الماضي بنسبة 1.5% ليفقد قرابة 30 دولار ويسجل أدنى مستوى في 5 أسابيع عند 1910 دولار للأونصة، وبذلك تكون أسعار الذهب قد انخفضت منذ بداية شهر أغسطس بنسبة 2.7% ليفقد سعر الأونصة أكثر من 52 دولار، بحسب جولد بيليون.
ومنذ بداية الأسبوع سيطر الأداء السلبي على أسعار الذهب، وذلك في ظل توقعات بارتفاع معدلات التضخم الأمريكية خلال شهر يوليو الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام عالمياً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من فرص استمرار التشديد النقدي والمزيد من رفع الفائدة من قبل الفيدرالي الأمر الذي أثر بالسلب على أسعار الذهب.
البيانات الاقتصادية عن التضخم جاءت إلى حد ما في صالح الذهب فقد أظهر تقرير أسعار المستهلكين السنوي عن شهر يوليو ارتفاع بنسبة 3.2% بأقل من التوقعات بنسبة 3.3% وأعلى من القراءة السابقة بنسبة 3.0%، أما عن المؤشر الجوهري السنوي الذي يستثني عوامل التذبذب فقد ارتفع بنسبة 4.7% مقارنة مع التوقعات والقراءة السابقة عند 4.8%.
وقع بيانات التضخم كان إيجابي في الساعات الأولى على أسعار الذهب قبل أن تستوعب الأسواق أن التضخم الأساسي الذي يستثني عوامل التذبذب لا يزال مرتفع بشكل كبير وبعيد عن مستهدف التضخم للبنك الفيدرالي عند 2%، الأمر الذي يدل أن الفيدرالي قد يلجأ إلى رفع جديد في الفائدة أو بأضعف تقدير سيحافظ على الفائدة عند مستوياتها القياسية لفترة طويلة من الوقت، وفق رؤية جولد بيليون.
وقد عمل هذا السيناريو على دفع الذهب لاستكمال الهبوط قبل أن تصدر بيانات التضخم عن المنتجين في الولايات المتحدة، ليظهر مؤشر أسعار المنتجين السنوي في يوليو ارتفاع بنسبة 0.8% من القراءة السابقة بنسبة 0.2%، وعلى المستوى الجوهري السنوي أظهر ارتفاع بنسبة 2.4% دون تغير عن القراءة السابقة.
أسعار المنتجين في الولايات المتحدة أظهرت إيجابية لأول مرة منذ 5 أشهر لتؤكد حقيقة أن التضخم لا يزال متماسك بشكل ما، وهو ما أكدت عليه عضوة البنك الفيدرالي ماري دالي التي علقت على بيانات التضخم وأشارت أنه لم يتم بعد تحديد القرار القادم للبنك الفيدرالي سواء برفع الفائدة أو تثبيتها، وهو ما ساعد الدولار على التعافي من جديد.
الدولار الأمريكي ارتفع خلال الأسبوع الماضي وفقا لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية بنسبة 0.8% ليسجل ارتفاع للأسبوع الرابع على التوالي، ويسجل أعلى مستوياته منذ 5 أسابيع.
ارتفاع مستويات الدولار ساعد على تراجع الذهب منذ كون المعدن النفيس سلعة تسعر بالدولار في الأسواق العالمية، هذا بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه الدولار من أسواق السندات الأمريكية.
فقد ارتفع العائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 سنوات خلال الأسبوع الماضي بنسبة 2.6% لتسجل ارتفاع للأسبوع الرابع على التوالي وتغلق تداولات الأسبوع عند المستوى 4.158% بالقرب من أعلى مستوى تم تسجيله في 2023 عند 4.222%.
الإقبال المتزايد على أسواق السندات يجذب المزيد من الاستثمارات خارج أسواق الذهب وهو دفع الذهب إلى التداول فوق منطقة دعم هامة عند 1900 – 1910 دولار للأونصة، وسط توقعات بإمكانية كسر الذهب لهذه المناطق مع غياب الدعم الصريح في الأسواق.
صناديق الاستثمار المدعومة في الذهب تستمر في النزيف
وبحسب رصد لجولد بيليون حول صناديق الاستثمار، كشفت أن هناك عمليات تسييل وخروج التدفقات النقدية من صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب في ظل التوقعات باستمرار التشديد النقدي من قبل الفيدرالي، وتوجه المستثمرين إلى بدائل استثمارية أكثر ربحية مثل السندات منذ كون الذهب لا يقدم عائد لحائزيه.
حقيقة أن أسعار الفائدة قد تستمر عند أعلى مستوياتها لفترة طويلة من الوقت حتى بعد توقف الفيدرالي عن رفع الفائدة، تزيد من عزوف المستثمرين عن الاستثمار في الذهب ومحاولة الاستفادة من العائد المتزايد.
صندوق SPDR الاستثماري المدعوم بالذهب والذي يعد أكبر صندوق تداول للذهب في العالم أظهر انخفاض في اجمالي أصوله إلى أدنى مستوى منذ مارس الماضي وتراجعت مكاسبه منذ بداية العام وحتى الآن لتصبح بنسبة 4.69% متراجعة من قرابة 9% منذ شهرين مضوا.
وعلى صعيد التداولات فقد انخفض سعر الصندوق في البورصات خلال الأسبوع الماضي بنسبة 1.4% وهو الأسبوع الثالث على التوالي في الانخفاض ليسجل أدنى مستوياته منذ 5 أسابيع، وذلك بسبب تراجع أسعار الذهب واستمرار العائد على السندات الحكومية الأمريكية في التداول بالقرب من أعلى مستوياته هذا العام.
شهر يوليو الماضي شهد خروج استثمارات بقيمة 2.3 مليار دولار لتتراجع حيازة صناديق الاستثمار من الذهب بمقدار 34 طن، ليمثل هذا الشهر الرابع على التوالي من خروج التدفقات النقدية خارج صناديق الاستثمار وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي.
منذ بداية العام وحتى نهاية شهر يوليو خرجت استثمارات من الصناديق بمقدار 4.9 مليار دولار ما يقدر بـ 84 طن ذهب، ولكن مرونة أسعار الذهب خلال هذا العام ساعدت على ارتفاع الأصول المدارة في الصناديق بنسبة 2% لتصل إلى 215 مليار دولار.
.
الخطوات القادمة لسوق الذهب العالمي
الصورة في سوق الذهب قد تغيرت إلى حد ما بالنسبة للذهب على المدى القصير إلى المتوسط، وهو ما يتضح حالياً من الضعف الحالي في أسعار الذهب وعودة إلى مستويات الـ 1900 دولار للأونصة، بعد أن كانت الأسواق تنتظر اختراق للمستوى 2000 دولار للأونصة.
وتتوقع جولد بيليون أن الأسبوع المقبل قد نشهد بعض التصحيح العرضي لأسعار الذهب ومحاولة الابتعاد عن مناطق الدعم الرئيسية حول 1900 دولار للأونصة من أجل تعديل قراءات المؤشرات الفنية التي تشير إلى تشبع في البيع.
بينما تنتظر الأسواق هذا الأسبوع صدور بيانات مبيعات التجزئة عن الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى محضر اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي، وكما تعودنا في الفترة الأخيرة فإن البيانات الاقتصادية أصبح لها تأثير لحظي هام على أسعار الذهب منذ كون البنك الفيدرالي يعتمد عليها لاتخاذ قراره بشأن أسعار الفائدة.
وعند الحديث على المدى المتوسط نجد أن التوقعات تتزايد بشكل كبير بحدوث تباطؤ معتدل للاقتصاد الأمريكي، وهو ما يتضح من البيانات الاقتصادية وخاصة بيانات قطاع العمالة التي تصدر عن الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي سيظل الطلب متزايد قوي على عوائد السندات الحكومية الأمريكية قصيرة الأجل، والتي تتداول قرابة 5% وذلك على حساب الذهب الذي لا يقدم عائد لحائزيه.
وسيبقى الذهب معتمد فقط على الدعم من مشتريات البنوك المركزية العالمية المستمرة في زيادة احتياطاتها من الذهب، إلى جانب ترقبه لأية مخاطر تطرأ في أسواق الدين الأمريكية التي قد تشهد بعض التصدعات بعد تخفيض وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
توقعات أسعار الذهب
أنهت أسعار الذهب الفورية تداولات الأسبوع فوق منطقة الدعم الرئيسية 1910 – 1900 دولار للأونصة والتي يتخللها المتوسط المتحرك لـ 200 يوم بالإضافة إلى مستوى التصحيح بنسبة 61.8%.
تتوقع جولد بيليون، أن يبدأ الذهب في تصحيح إيجابي معتدل أو تحرك عرضي خلال الأسبوع القادم من أجل العمل على تعديل المؤشرات الفنية التي تشير إلى تشبع في البيع بشكل كبير، وقد يستهدف الذهب في تصحيحه الصاعد المستوى 1930 دولار للأونصة ثم المنطقة بين 1940 – 1945 دولار للأونصة التي أصبحت منطقة مقاومة رئيسية بعد أن تجمع بها المتوسط المتحرك لـ 100 يوم ولـ 50 يوم إلى جانب المستوى التصحيحي 50% وخط الاتجاه الصاعد.