رفعت مصر أسعار العائد على العملة المحلية بنحو 1100 نقطة أساس منذ مارس 2022، وهو ما كان كفيلاً بإرهاق الشركات وتحجيم قدرتها على تمويل عملياتها الاستثمارية والجارية.
يتفق محللون ومستثمرون على أن التأثير السلبي لرفع أسعار الفائدة على القطاع الإنتاجي أصبح أكثر عمقاً وألماً، لعدة أسباب أهمها استمراره لمدة طويلة، ما عطل القدرات الاستثمارية والتوسعية للشركات المصرية وهو أمر لا يمكن تحسينه إلا في سنوات.
السبب الثاني وهو الاعتماد المتزايد للشركات على التمويل البنكي لسد الاحتياجات التشغيلية عن طريق “السحب على المكشوف”، وبالتالي زيادة تكلفة إنتاج معظم الشركات في كل مرة يتم فيها رفع أسعار الفائدة، وليس فقط عند الاقتراض لبداية الاستثمار.
“المركزي المصري” يخالف التوقعات ويرفع الفائدة 100 نقطة أساس
رفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، في اجتماعها يوم الخميس، أسعار الفائدة على الودائع لليلة واحدة، وعلى الإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية، إلى مستويات 19.25% و20.25% و19.75% على التوالي، مقارنة بمعدلات 8.25% و9.25% و8.75% منذ أقل من عام ونصف، وفقا لبلومبرج واطلعت عليه «بايونيرز مصر».
عزا “المركزي” في بيانه الغرض من رفع معدلات الفائدة إلى مواجهة التضخم، إلا أن مواصلة رفع أسعار الفائدة لم يمنع المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر من بلوغ 35.7% في يونيو 2023، كما ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي (الذي يستثني السلع شديدة التقلب السعري والسلع المحددة أسعارها إدارياً) إلى 41% في نفس الشهر، وهو معدل غير مسبوق.
يتبقى للجنة السياسات النقدية ثلاثة اجتماعات خلال عام 2023، أولها في سبتمبر.
أسباب التضخم
“التأثير الإيجابي للقرار “محدود للغاية”، فالسيولة الزائدة ليست السبب الرئيسي للتضخم، ولكن انخفاض سعر صرف الجنيه، وشح المعروض من العملات الأجنبية، والقيود على الاستيراد وتأخر الإفراج عن السلع”، وفقاً لمصرفيين تحدثا مع “اقتصاد الشرق” اشترطا عدم ذكر اسميهما.
صاحبت عمليات رفع سعر الفائدة منذ عام 2022 عملية تحريك لسعر الصرف لمدة عام ونصف في مصر، حيث فقدت العملة المصرية نصف قيمتها لتُتداول في السوق الرسمية عند 30.95 جنيه للدولار مقارنة بنحو 15.64 جنيه في مارس 2022، في حين تراوحت تداولات السوق الموازية ما بين 38 و39 جنيهاً للدولار.
يتفق علاء السبع، عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، مع آراء المصرفيين في أن “معدلات التضخم المرتفعة حالياً لم تنتج عن سيولة زائدة وجب امتصاصها، أو طلب كبير يُفضل تحجيمه، إنما بسبب ارتفاع تكلفة البضائع المستوردة، وشح توافرها”.
لكن السبع يلفت النظر للآثار السلبية غير المحدودة للقرار بقوله: “رفع سعر الفائدة يعطل الإنتاج، لأنه يزيد من تكلفة الإقراض للشركات من جهة ويؤثر بالسلب أيضاً على المقترضين بغرض شراء السلع، ومنها السيارات”.
يلفت محمد عبد الحكيم، محلل الاقتصاد الكلي، إلى سبب آخر لرفع الفائدة، وهو الارتباط الكبير بين قرارات الفيدرالي الأميركي بالرفع المتواصل لأسعار الفائدة لمواجهة التضخم، والقرارات النقدية المصرية، لزيادة جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلي المصرية، بعد أن فقدت أدوات الدين المصري نحو 22 مليار دولار مع بداية سياسة التشديد الأميركي واندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية.
الفيدرالي الأميركي يرفع الفائدة 0.25% لأعلى مستوى منذ 2001
قام الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس قبل أسبوعين لتصل إلى نطاق 5.25-5.5% ليصل إجمالي رفع الفائدة إلى 525 نقطة أساس منذ مارس 2022.
وعن تأثير زيادة الفائدة على الأسواق يقول عبد الحكيم إن السياسات النقدية تكون دائماً محصورة بين مطرقة التضخم وسندان ضعف معدلات النمو، ومع تجاوز معدلات التضخم الأساسي حاجز 40%، يصعب الاهتمام بتأثير القرارات على باقي متغيرات الاقتصاد.
لكن على الجانب الآخر يرى عبد الحكيم أن المودعين في الجهاز المصرفي هم المستفيدون الرئيسيون من رفع الفائدة لتقليل خسائرهم من معدلات الفائدة السلبية “معدل الفائدة على الودائع مخصوم منه معدل التضخم”، ويبلغ سعر الفائدة الحقيقي في مصر حالياً”-16.45%”.
أضرار أساسية
يرى عبد الحكيم، أن رفع أسعار الفائدة له ثلاثة أضرار أساسية على الاقتصاد، أولها زيادة الدين الحكومي، باعتبار الحكومة هي أكبر مستدين من الجهاز المصري، ومع زيادة تكلفة خدمة الدين، تزيد الضغوط على الإنفاق الحكومي أحد أهم محركات النمو الاقتصادي.
أما الضرر الثاني فهو سحب جزء كبير من السيولة المحلية، وبالتالي تقليل الإنفاق الاستهلاكي، أما الأثر السلبي الأهم فهو ابتعاد الشركات عن خيار الاقتراض الاستثماري، واكتفاؤهم بتحمل المصروفات الجارية، وهو عامل مثبط لمعدلات النمو الاقتصادي، الآن وفي المستقبل.
مؤشر S&P يُظهر تحسناً طفيفاً بنشاط القطاع الخاص في مصر
رئيس إحدى شركات الأجهزة المنزلية في مصر “العميل هو اللي هيتأثر أكثر من أي حد آخر لأن الزيادة دائماً بتكون على الزبون وليس الشركة”.
أما حسن المراكبي، رئيس مجلس إدارة مجموعة المراكبي للصلب، يرى أن “رفع الفائدة يؤثر سلباً على مجتمع الأعمال خاصة في مجال الصناعة؛ لأنه سيسحب السيولة من السوق، لا بد أن نعلم جميعاً أن الأزمة الراهنة في مصر تتمثل بشكل رئيسي في شح العملات الأجنبية”.
تأثير لحظي
هشام حمدي، محلل القطاع الاستهلاكي بشركة “نعيم المالية”، يلفت النظر إلى أن زيادة الارتباط بين القطاع الخاص ورفع أسعار الفائدة، نتيجة التوسع في فتح خطوط التمويل والسحب على المكشوف بقوله: “قبل عامين كان معظم الاقتراض يتم لأغراض استثمارية فترتبط بسعر الفائدة مرة واحدة فقط، أما الآن فالشركات تعتمد على الاقتراض لتمويل عملياتها الجارية بشكل أساسي نتيجة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، لذا فإن كل عملية رفع لأسعار الفائدة لها تأثير لحظي على إنتاج الشركات”.
يؤكد حمدي على صعوبة تحميل التكلفة للمستهلك النهائي نتيجة تراجع الطلب الاستهلاكي، لذا ستتجه الشركات لتحمل الجزء الأساسي من العبء، وبالتالي الضغط على الأرباح والإيرادات والتدفق النقدي للشركات خلال النصف الثاني من 2023.
فيما يخص المستهلك يرى حمدي، أن هناك علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وقرارات شراء العقارات والسلع المعمرة وأي مصروفات أخرى يمكن تأجيلها، ليس فقط بسبب زيادة جاذبية الادخار، ولكن أيضاً بسبب الأثر النفسي لرفع أسعار الفائدة، “يعتبر المستهلك والمستثمر أن رفع أسعار الفائدة مرتبط بمواجهة صعوبات اقتصادية، على عكس خفض أسعار الفائدة المرتبط ذهنياً بالرغبة في التوسع وتنشيط الاقتصاد”.
التشديد النقدي
يقول عمرو الألفي، رئيس البحوث في “برايم المالية”، إنه “على الرغم من تسبب رفع الفائدة في زيادة تكلفة الدين العام وزيادة عجز الموازنة، وكذا زيادة تكلفة الأموال على الشركات، التي ستحاول بدورها تمرير تلك الزيادة للمستهلك؛ مما سيزيد من حدة ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، وبالتالي عدم تحقيق الغرض من قرار الرفع نفسه، إلا أن المركزي سيمضي قدماً في سياسة التشديد النقدي”.
ويفسر الألفي هذا السلوك بأن زيادة جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلي ومرونة سعر الصرف أمران جوهريان في مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على الشريحة الثانية من برنامج التمويل، “قرار رفع الفائدة قد يشير إلى احتمالية خفض جديد لقيمة الجنيه في فترة لاحقة من العام الجاري”.
السندات المصرية تقتنص أكبر مكاسب في الأسواق الناشئة بعد رفع الفائدة
ارتفعت السندات المصرية المقومة بالدولار بأكبر قدر في الأسواق الناشئة، بعد قرار رفع الفائدة يوم الخميس، مما عزز التفاؤل بأن الحكومة المصرية ستواصل تنفيذ برنامج الإنقاذ الذي وضعه صندوق النقد الدولي لها حسب الخطة المقررة.
توقع مصدر مصرفي، في حديثه لـ”اقتصاد الشرق”، أن تقوم بعثة صندوق النقد بالمراجعة الأولى اللازمة لتقديم الشريحة الثانية من برنامج التمويل البالغ ثلاثة مليارات دولار قبل الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في سبتمبر المقبل.
استلمت مصر أول دفعة من صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي بقيمة 347 مليون دولار، ومن المقرر استلام الدفعات الباقية في مارس وسبتمبر من كل عام وتحديداً من 2023 إلى 2026، وهو ما لم يحدث بعد.