يكافح الاقتصاد المصري للخروج من عنق الزجاجة مع تنامي التحديات والمؤشرات السلبية التي تشير إلى زيادة المصاعب التي تواجهها القاهرة على رغم تحسن الإيرادات السياحية في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2022-2023
أبرز المؤشرات السلبية أفصح عنها البنك المركزي المصري، إذ أظهرت أحدث بيانات البنك أمس الثلاثاء أن “العجز في صافي الأصول الأجنبية زاد بمقدار 82.1 مليار جنيه (2.66 مليار دولار) في يونيو (حزيران) الماضي عن الشهر السابق، ليصل صافي الأصول الأجنبية إلى سلبي 837.3 مليار جنيه للمرة الأولى على الإطلاق”، وفق ما نشرته «اندبندت عربية»، واطلعت عليه «بايونيرز مصر».
وأشار البنك إلى أن المالية العامة المصرية تعرضت لضغوط بسبب النقص المستمر في النقد الأجنبي إلى جانب توسع حاد في المعروض النقدي على مدى الأعوام الثلاثة الماضية وفقاً لتقرير لـ”رويترز”.
وصافي الأصول الأجنبية يعادل الفارق بين ما يملكه النظام المصرفي من أصول بالعملات الأجنبية المستحقة على غير المقيمين وما عليه من التزامات.
ويحدث التراجع في صافي الأصول الأجنبية مع زيادة اقتراض البنوك من الخارج، لذا جاء كل الانخفاض في شهر يونيو الماضي تقريباً بسبب تدني صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك التجارية.
في مارس (آذار) 2022 خفض البنك المركزي المصري سعر الصرف الرسمي عند حوالى 30.90 جنيه للدولار وحتى الآن، بينما يتراوح سعر العملة الأميركية في السوق الموازية (السوداء) بين 37 إلى 39 جنيهاً مقابل كل دولار في الساعات الماضية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022 ألمح صندوق النقد الدولي في تقرير له إلى أن “القاهرة تمول عجز الحساب الجاري عن طريق السحب من صافي الأصول الأجنبية”.
ارتفاع المعروض النقدي بواقع 33.4 في المئة
كان رصيد صافي الأصول الأجنبية موجباً بقيمة 248 مليار جنيه (8 مليارات دولار) في سبتمبر (أيلول) 2021 قبل أن يبدأ بالتراجع حتى نهاية شهر يونيو الماضي.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي المصري صعد المعروض النقدي (ن1) بواقع 33.4 في المئة على أساس سنوي في العام المالي المنتهي في نهاية يونيو 2023، ارتفاعاً من 31.9 في المئة سنوياً حتى نهاية مايو (أيار) الماضي، كما زاد المعروض النقدي (ن2) بواقع 24.7 في المئة خلال يونيو الماضي.
ويستخدم المعروض النقدي بشكل عام لسد العجز المتزايد في الموازنة ولكنه في الوقت نفسه يتسبب في ارتفاع وتيرة التضخم، كما يزيد من الضغط على الجنيه المصري الذي تراجعت قيمته بأكثر من 50 في المئة مقابل الدولار الأميركي منذ مارس 2022.
ووصلت معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر في يوليو (تموز) الماضي أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي في المدن المصرية ارتفع إلى 35.7 في المئة خلال يونيو الماضي، من 32.7 في المئة خلال مايو.
كما أظهرت البيانات أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 36.8 في المئة في يونيو 2023، مقابل 33.7 في المئة لشهر مايو و14.7 في المئة للشهر نفسه من العام السابق، وبلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية 177.6 نقطة لشهر يونيو 2023، مسجلاً بذلك ارتفاعاً قدره اثنان في المئة عن مايو 2023، فيما تفيد بيانات المركزي المصري بزيادة التضخم الأساسي إلى 41 في المئة على أساس سنوي في يونيو الماضي، مقارنة بنحو 40.3 في المئة خلال مايو السابق.
وتمتلك مصر 2160 موقعاً أثرياً منها 134 مفتوحاً للزيارة، و43 متحف آثار منها 31 مفتوحاً للزيارة، و479 مركز غوص وأنشطة بحرية و1199 منشأة فندقية (261 عائمة، 235 صديقة للبيئة) و1325 مطعماً وكافتيريا سياحياً و2259 شركة سياحة و18190 مركبة سياحية و2407 محال عاديات وسلع سياحية.
وتسعى الحكومة المصرية إلى جذب أكثر من 30 مليون سائح خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلى جانب زيادة الغرف الفندقية بنحو 50 ألف غرفة خلال الفترة نفسها، منها 15 ألف غرفة في شرم الشيخ والبحر الأحمر من المقرر افتتاحها خلال عام.
قرض جديد من “النقد العربي”
في تلك الأثناء أبرم صندوق النقد العربي في نهاية يوليو الماضي اتفاقاً لتقديم قرض جديد لمصر بنحو 616 مليون دولار بهدف توفير الموارد المالية لدعم برنامج إصلاح يعزز كفاءة القطاع المالي والمصرفي المصري، بحسب بيان الجمعة الماضي.
ويتضمن البرنامج المدعوم بالقرض عدداً من المحاور تتمثل في تعزيز سلامة ورفع كفاءة البنى التحتية لنظم الدفع في القطاع المالي والمصرفي المصري وتعزيز الشمول المالي والاستدامة وتعزيز إطار الرقابة والإشراف على القطاع المالي والمصرفي وتوسيع نطاق الاعتماد على التقنيات في تقديم التمويل والخدمات المالية وتعزيز حماية مستهلكي الخدمات المالية.
اقتصاد مصر في الاتجاه السليم
في غضون ذلك دافع وزير المالية المصري محمد معيط عن الاقتصاد المصري قائلاً إن “الاقتصاد المصري يسير في الاتجاه السليم على رغم التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم كله”، مؤكداً أن “الدولة المصرية نجحت في الحفاظ على معدلات نمو إيجابية خلال الأعوام الماضية وصلت إلى 6.6 في المئة”.
وأردف معيط في كلمة له خلال النسخة الرابعة من مؤتمر المصريين في الخارج الذي عقد الأسبوع الحالي أن “النمو الاقتصادي خلق الملايين من فرص العمل، والمشاريع الجديدة التي حققت طفرة في كل المجالات، وذلك على رغم أن الكثافة السكانية في مصر ومعدلات المواليد لا تزالان مرتفعتين”.
وأكد معيط أن “مصر في طريقها لحل مشكلاتها الاقتصادية في المرحلة المقبلة”، موضحاً أن “التحدي الأكبر هو كيفية تمويل النمو” ومشيراً إلى أن “الدولة تدرك أهمية توسع القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وأنها نجحت في تحقيق فائض أولي قدره 1.7 في المئة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بما يعني أن إيرادات الدولة غطت مصاريفها من دون حساب خدمة الدين”، ورجح انخفاض أسعار النفط وتحسن أسعار الغذاء وكلفة التمويل خلال الفترة المقبلة بعد استقرار متوقع في الظروف الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
وفي تقريره عن مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي في يوليو الماضي أبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته السابقة للنمو في مصر لعام 2023، مرجحاً أن يتراجع إلى 3.7 في المئة هذا العام، هبوطاً من 6.6 في المئة عام 2022.
وعلى صعيد التضخم، رفع الصندوق تقديراته للتضخم خلال عامي 2023 و2024، إذ قدّر بأن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.1 في المئة في العام المقبل، هبوطاً من 5.0 في المئة في توقعات سابقة له في أبريل (نيسان)، مرجعاً ذلك إلى ضعف مرونة سعر الصرف الذي أفضى إلى نقص في سوق الصرف الأجنبية، مما يؤثر في حركة الواردات، كما يثبط ثقة المستثمرين.
كانت الحكومة المصرية قد توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر (نشرين الأول) 2022 في مقابل الحصول على تمويل جديد بقيمة 3 مليارات دولا بالتزامن مع رفع أسعار الفائدة بنحو 200 نقطة أساس آنذاك مع خفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار قبل أن يوافق المجلس التنفيذي للصندوق الدولي على صرف الشريحة الأولى بقيمة 34 مليون دولار في ديسمبر الماضي.