انهت أسعار الذهب في البورصة العالمية شهر يوليو 2023 على أكبر ارتفاع شهري منذ مارس 2023، وذلك وسط التوقعات باقتراب نهاية دورة رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية العالمية، الأمر الذي يعزز مكاسب الذهب الذي يقدم عائد صفري لحائزيه.
ارتفعت أسعار الذهب الفورية خلال شهر يوليو بنسبة 2.4% ليضيف الذهب 45 دولار لسعر الأونصة تقريبا، بينما بدأ الذهب تداولات شهر أغسطس اليوم منخفضاً بنسبة 0.5% ليتداول وقت كتابة التقرير عند المستوى 1955 دولار للأونصة، بحسب التحليل الفني لجولد بيليون.
الذهب يواجه مقاومة فنية عند منطقة 1975 – 1985 دولار للأونصة تمنعه من مواصلة الارتفاع والوصول إلى المستوى النفسي عند 2000 دولار للأونصة، وهو ما دفع الذهب إلى التذبذب داخل نطاق 40 دولار تقريباً بين 1980 – 1940 دولار للأونصة خلال الثلاثة أسابيع الأخيرة.
شهر يوليو شهد انتعاش لأسعار الذهب لتبتعد عن منطقة الدعم الرئيسية حول المستوى 1900 دولار للأونصة وتصل إلى مستوياتها الحالية، وذلك بعد ان تغير توجه الأسواق بشأن مستقبل السياسة النقدية للبنك الفيدرالي ليدعم وقف عمليات رفع الفائدة بعد اجتماع يوليو.
ولكن البنك الفيدرالي في اجتماع يوليو بعد رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصل لأعلى معدلاتها منذ 22 عام عند 5.50% كما كان متوقع في الأسواق، أشار إلى أن الباب مفتوح أمام زيادة أخرى في أسعار الفائدة خلال المتبقي من العام وأن الفيصل في ذلك سيكون للبيانات الاقتصادية التي تصدر قبل كل اجتماع.
وأشار الفيدرالي صراحة إلي أن اجتماعه القادم في سبتمبر قد يشهد رفع لأسعار الفائدة أو تثبيتها عند مستوياتها الحالية وفقاً للبيانات الاقتصادية التي تصدر قبل اجتماع سبتمبر.
اعتماد البنك الفيدرالي بشكل صريح على البيانات الاقتصادية تسبب في دخول الذهب في حالة من التذبذب وعدم وضوح الاتجاه خلال معظم فترات شهر يوليو، حيث تفاعل المعدن الأصفر مع كل مؤشر يصدر عن الاقتصاد الأمريكي واستمر تضارب التوقعات بشأن مستقبل السياسة النقدية.
بيانات أمريكية تؤثر على الذهب
الأسبوع الماضي شهد صدور بيانات هامة عن الاقتصاد الأمريكي بشأن معدل النمو في الربع الثاني من العام والتي سجلت نمو بنسبة 2.4% مقارنة مع القراءة السابقة بنسبة 2% وكانت التوقعات تشير إلى 1.8%.
قوة بيانات النمو في الربع الثاني زادت من التوقعات أن الاقتصاد الأمريكي قد يتجنب الدخول في ركود اقتصادي حاد أثناء محاربة الفيدرالي للتضخم وبالتالي قد يستوعب الاقتصاد قرار جديد لرفع الفائدة وهو ما دفع أسعار الذهب إلى الهبوط بشكل كبير، وقد تساعد بيانات تقرير الوظائف التي تصدر هذا الأسبوع في بيان الصورة كاملة بشأن وضع النمو ومعدلات الإنفاق المتوقعة من قبل القطاع العائلي.
نهاية الأسبوع الماضي شهدت بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري عن شهر يونيو وهو مؤشر التضخم المفضل للبنك الفيدرالي، ليظهر المؤشر السنوي ارتفاع بنسبة 4.1% بأقل من القراءة السابقة بنسبة 4.6% وأقل من التوقعات أيضاً بنسبة 4.2%.
تفاعلت أسعار الذهب بشكل إيجابي مع بيانات التضخم الأمريكية لأنها توضح ان معدلات التضخم بدأت تتراجع بشكل ملحوظ وقد لا يكون هناك حاجة لمزيد من عمليات رفع الفائدة خلال المتبقي من العام، الأمر الذي ساعد الذهب على الارتفاع.
مما سبق يتضح التذبذب الذي يعاني منه الذهب بسبب تحركه وفقاً لنتائج البيانات الاقتصادية، وتعديل السوق لتوقعاته بشأن مستقبل أسعار الفائدة وفقاً لكل مؤشر يصدر عن الاقتصاد الأمريكي الأمر الذي يدخل الذهب في حالة من البحث عن اتجاه واضح.
نترقب بيانات التوظيف
هذا الأسبوع ننتظر صدور بيانات تقرير الوظائف الحكومي عن شهر يوليو والمتوقع أن يسجل وظائف جديدة بقيمة 203 ألف بعد القراءة السابقة بقيمة 209 ألف بينما من المتوقع أن يستقر معدل البطالة عند 3.6%.
في حالة ارتفاع بيانات تقرير الوظائف الأمريكي بأعلى من التوقعات سيعكس هذا قوة أداء الاقتصاد وضغط قطاع العمالة على التضخم بشكل أكثر، الأمر الذي قد يتطلب معه رفع جديد لأسعار الفائدة وسيكون التأثير سلبي بشكل كبير على الذهب، وفق تحليل جولد بيليون، أما إذا تراجعت البيانات بأقل من التوقعات فإن هذا سيدل على تباطؤ نمو قطاع العمالة وبالتالي سيعمل على دفع معدلات التضخم إلى التراجع الأمر الذي قد يجبر البنك على انهاء دورة رفع الفائدة وبالتالي سيؤثر هذا بشكل إيجابي كبير على أسعار الذهب.
الدولار الأمريكي يبحث عن التماسك
شاهدنا الدولار الأمريكي يسجل أداء إيجابي لثلاثة أسابيع متتالية وفقاً لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية، ولكن هذا لم يمنعه من تسجيل انخفاض خلال شهر يوليو بنسبة 1% تقريباً.
خلال شهر يوليو سجل مؤشر الدولار أدنى مستوياته منذ ابريل من عام 2022 قبل أن يتعافى ويقلص جزء كبير من خسائره بعد أن عادت التوقعات بإمكانية استمرار البنك الفيدرالي في رفع الفائدة بعد اجتماع يوليو.
الآن يحاول الدولار التماسك وتقوية وضعه مقابل العملات الرئيسية الأخرى، ويجد الدعم في هذا من عدم وضوح السياسة النقدية للبنك الفيدرالي التي تبقي باستمرار على إمكانية رفع الفائدة من جديد وهو ما يدعم الدولار.
الفترة الحالية تشهد تماسك في مستويات الدولار وهو ما يزيد من التخبط في أداء الذهب في ظل العلاقة العكسية التي تربط بينهما، منذ كون الذهب سلعة تسعر بالدولار.
من جهة أخرى يجد الدولار الدعم من العائد على السندات الأمريكية، فقد ارتفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات خلال شهر يوليو بأكمله بنسبة 3.2% ليسجل أعلى مستوى منذ شهر نوفمبر الماضي عند 4.098%.
ارتفاع العائد على السندات الحكومية يعد أخبار سيئة بالنسبة للذهب، لأن المعدن النفيس يعد أصل لا يقدم عائد لحائزيه مقارنة مع السندات التي تقدم عائد يتزايد بارتفاع أسعار الفائدة.
الذهب في الربع الثاني من 2023
خلقت حالة عدم اليقين الاقتصادي المستمرة طلبًا فعليًا قويًا على الذهب تسبب في دعم الأسعار عند مستويات قياسية خلال الربع الثاني، وفقًا لأحدث تقرير صادر من مجلس الذهب العالمي.
فقد بلغ متوسط سعر الذهب خلال الربع الثاني 1976 دولار للأونصة بزيادة سنوية بنسبة 6% عن الربع الثاني من عام 2022، وبزيادة بنسبة 4% عن أعلى متوسط سعر سجله في الربع الثالث من عام 2020، بحسب تحليل جولد بيليون.
الأزمة المصرفية في مايو الماضي والتي تسببت في انهيار العديد من البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة، خلقت حالة من عدم اليقين أدى إلى ارتفاع الطلب المادي على السبائك والعملات الذهبية.
بالرغم من هذا فقد أشار مجلس الذهب العالمي أن الطلب الإجمالي على الذهب خلال النصف الأول من العام (باستثناء التداول في البورصات عبر الانترنت) قد انخفض بنسبة 6% ليصل إلى 2062 طن من الذهب، ويرجع السبب الرئيسي إلى خروج التدفقات من صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب.
من ناحية أخرى فإن مشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال النصف الأول من العام قد ارتفع بمقدار 387 طن من الذهب على الرغم من تباطؤ المشتريات خلال الربع الثاني من العام، ولكن البداية القوية خلال الربع الأول ساعدت على تسجيل مستوى قياسي من مشتريات البنوك خلال النصف الأول من العام.
بلغ الطلب المجمع لشراء الذهب بكافة صورة في تركيا خلال النصف الأول من العام إلى 118 طن، وهو أعلى مستوى منذ النصف الأول من عام 2007. فقد ساعدت تركيا على ارتفاع الاستثمار في السبائك والعملات الذهبية على مستوى العالم بنسبة 6% على أساس سنوي ليصل إلى 277 طن خلال الربع الثاني.
وبالنسبة لصناديق الاستثمار المتداولة في الذهب فقد سجلت تدفقات خارجة خلال الربع الثاني بلغت 21 طن أغلبها في شهر يونيو، ولكنها تظل أقل من التدفقات الخارجة التي تم تسجيلها في الربع الثاني من عام 2022 بمقدار 47 طن.