أدى اشتعال الاشتباكات العسكرية في السودان إلى زيادة أوجاعه الاقتصادية ومعاناته أمام توفير السلع الأساسية للمواطنين في ظل ارتفاعات قياسية لمستويات التضخم.
ويشهد السودان حاليا مواجهات عنيفة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، في معركة لم تحسم بعد، وتنذر بمستقبل مظلم للبلد الإفريقي.
وتواصلت صباح اليوم الاثنين اشتباكات عنيفة وتبادل لإطلاق النار في محيط مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، لليوم الثالث على التوالي منذ أن اندلع الاقتتال يوم السبت الماضي.
ويواجه الاقتصاد السوداني حالة من الغموض بشأن توقعات النمو المستقبلي في ظل تصاعد الأزمات داخل البلاد.
كانت توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في السودان تشير إلى 1.2% في عام 2023، بعد انكماش 2.5% في العام السابق، إلا أن هذه التوقعات كانت قبل اندلاع الاشتباكات الأخيرة.
مخاطر مستمرة
وقالت مجموعة البنك الدولي، في بيان اليوم الاثنين، إن “أفكارنا متساوية مع شعب السودان، الذي يواجه مرة أخرى الصراع إلى جانب المخاطر المستمرة للكوارث الطبيعية والضغوط الاقتصادية.. ونأمل في حل سريع للوضع في البلاد”.
وفق تقديرات البنك الدولي، يعتبر السودان واحدا من أفقر دول العالم، وهي دولة يتجاوز عدد سكانها 45 مليون نسمة وعانت من الصراع وعدم الاستقرار والعزلة الاقتصادية طوال تاريخها تقريبًا منذ عام 1956.
ولا يزال وقف المدفوعات من قبل البنك الدولي في جميع عملياته لحكومة السودان اعتبارًا من 25 أكتوبر 2021 ساري المفعول. في الوقت نفسه، يشعر المجتمع الدولي بالقلق إزاء تزايد انعدام الأمن الغذائي والمخاطر الإنسانية في البلاد ويعمل مع البنك الدولي لإيجاد طريقة لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوداني.
وتحت ضغط المجتمع الدولي، وقع البنك الدولي، اتفاقية مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة لتوفير تمويل مباشر لبرنامج الأغذية العالمي بقيمة 100 مليون دولار لمشروع شبكات الأمان الطارئ الجديد في السودان. يستجيب المشروع لانعدام الأمن الغذائي الشديد في السودان الناجم عن ضعف الحصاد وارتفاع أسعار الغذاء العالمية، ويهدف هذا المشروع إلى توفير التحويلات النقدية والغذاء لأكثر من مليوني مستفيد من انعدام الأمن الغذائي في 11 ولاية في السودان بناءً على تقييم الضعف الذي أجراه برنامج الأغذية العالمي.
ومن شأن استمرار الاشتباكات العسكرية المشتعلة أن تعطل عمل برنامج الغذاء العالمي، وتضر بملايين السودانيين.
مستويات الجوع
إلى ذلك، حذرت وكالات الإغاثة من ارتفاع مستويات الجوع في السودان، حيث عانى أكثر من ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد العام الماضي.
ومؤخرا، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إن السودان سيحتاج إلى استيراد 3.5 مليون طن من القمح هذا العام بسبب توقعات بانخفاض محصوله المحلي 30% بعد تحول المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى غير القمح.
وتوقعت الفاو في بيان تعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة، وهي غذاء أساسي في البلاد، ومن الذرة البيضاء بفضل الأمطار الغزيرة.
وأضافت أن واردات السودان المتوقعة من القمح ستشكل تقريبا كل متطلبات البلاد من الحبوب المستوردة البالغة 3.6 مليون طن.
وأضاف البيان: “سيكون لهذا تأثير كبير على الأمن الغذائي لملايين السودانيين مع استمرار ارتفاع أسعار القمح العالمية وضعف العملة المحلية للبلاد”:
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن السودان استورد 2.7 مليون طن من القمح والطحين العام الماضي بتكلفة 1.06 مليار دولار، وتصدرت روسيا وأستراليا ورومانيا قائمة البلدان المصدرة.
إجراءات صعبة
وبدأ السودان، في السنوات الأخيرة باتخاذ إجراءات صعبة في الوقت الذي كان ينتظر فيه حصد ما تحمله من أعباء في العام 2023.
وشملت الإجراءات ما قامت به الحكومة السودانية في 2022 عندما رفع الدعم نهائياً عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي، شملت تحرير العملة المحلية. منذ انفصال جنوب السودان في 2011، تراجع إنتاج السودان من النفط، الأمر الذي دفعه إلى استيراد أكثر من 60% من احتياجاته من الوقود.
كما كان خفض قيمة الجنيه السوداني من أبرز وأصعب الخطوات التي اتخذتها البلاد في إطار سلسلة إصلاحات نفَّذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.
صدمات اقتصادية
وأدى انفصال جنوب السودان في عام 2011 إلى صدمات اقتصادية متعددة، بما في ذلك خسارة عائدات النفط التي شكلت أكثر من نصف عائدات الحكومة السودانية و95% من صادراتها. وقد أدى ذلك إلى انخفاض النمو الاقتصادي وأدى إلى تضخم في أسعار المستهلكين من رقمين مما أدى، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود، إلى اندلاع احتجاجات عنيفة في سبتمبر 2013.
ارتفاع الأسعار
وتراجع معدل التضخم السنوي في السودان إلى 63.3% في فبراير الماضي من 83% في يناير، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء بالسودان.
ويعد ذلك استمرار للانخفاض الذي يشهده معدل التضخم السنوي بالسودان خلال الشهور الماضية بعدما كان تخطى الـ 400% في يونيو 2021.
وأدى الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والاضطرابات التي طال أمدها لأكثر من 30 عامًا من الحكم إلى مظاهرات حاشدة بدأت في ديسمبر 2018 وبلغت ذروتها في الإطاحة بالرئيس آنذاك عمر حسن البشير من السلطة في أبريل 2019.
وأعقب ذلك تشكيل حكومة انتقالية في سبتمبر 2019 نفذت إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة وشاركت في مفاوضات سلام مع الجماعات المسلحة لمعالجة النزاعات والمظالم في جميع أنحاء البلاد. وأدى ذلك إلى توقيع اتفاقية جوبا للسلام مع جميع جماعات المعارضة المسلحة تقريبًا في أكتوبر 2020.
وفي أكتوبر 2021، حدث انقلاب عسكري حيث تم حل الهياكل الحكومية الرئيسية وتعليق بنود الميثاق الدستوري لعام 2019.
وفي أوائل يناير 2022، استقال رئيس الوزراء بعد فشل مساعيه للتوصل إلى تسوية سياسية بين أصحاب المصلحة المحليين. وفي ديسمبر 2022، تم توقيع اتفاقية الإطار السياسي (PFA)، بين الجيش وعدد من الأحزاب السياسية، في محاولة لإعادة إطلاق انتقال البلاد إلى حكومة مدنية في غضون عامين.
وانطلقت المرحلة الثانية من العملية السياسية في يناير 2023، بهدف الوصول إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الرئيسية ودعوة غير الموقعين للانضمام إلى العملية، إلى أن جاءت الاشتباكات الدموية الأخيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع لتترك البلد على شفا الانهيار الكامل ويضيع سنوات من الإصلاح.