معظم دول العالم تسعى للحصول على قروض لأسباب مختلفة، ومن مصادر متنوعة، ونادرا مانجد دولاً لا تقترض، حتى الدول العظمى، فنجدها فى مقدمة الدول المقترضة، وتتصدرهم الولايات المتحدة والصين واليابان، كما نجد دول الخليج ذات الاحتياطيات النقدية الضخمة، تلجأ فى بعض الاحيان للاقتراض الخارجى خاصة حينما تصدر سندات فى سوق السندات الدولية.
فالاقتراض بالنسبة لدول الخليج لا يعني بالضرورة أنها تعاني من عجز مالي، بل هو جزء من استراتيجية اقتصادية شاملة لتنويع الاقتصاد، وتمويل المشاريع الكبرى، وإدارة السيولة النقدية بفعالية، والحفاظ على الاحتياطيات الدولية الخاصة مستثمرة فى صناديق الثروة السيادية.
اذا كانت الدول العظمى والغنية تقترض، فيكون من حق الدول النامية والصاعدة ان تلجأ هى ايضا إلى الاقتراض الخارجى لعدة أسباب رئيسية، منها تمويل مشاريع التنمية الضخم غير القابلة للتجزئة، والتى تحتاج تمويل يساعد الدولة على تنفيذ خططها الاستراتيجية فى الوقت المخطط، و تحسين البنية التحتية لمرافقها ومواجه متطلبات التوسع العمرانى وزيادة عدد السكان، و دعم النمو الاقتصادي بمفهومة الشامل وبتوازن مع احتياجات الدولة الفعلية، أو مواجهة أزمات مؤقتة أو صدمات خارجية أو ازمة عالمية..
عملية اقتراض الدول – فى حد ذاتها – يمكن أن تكون ايجابية أى يترتب عليها نتائج إيجابيّة نافعة ، أو قد تكون لها تداعيات سلبية ضارة، النوع الاول من القروض الإيجابية، هى تلك التي تُمَكِّن الدولة من تمويل مشاريع تنموية استثمارية تساهم في تعزيز البنية التحتية وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتساعد على تحسين مستوى المعيشة للسكان.
أما النوع الثانى من القروض الضارة ، فهى التى تتسم باستخدام الموارد المقترضة واستهلاكها في نفقات جارية غير إنتاجية، أو تُشكل عبئًا على ميزانية الدولة نتيجة لارتفاع معدلات الفائدة وفترات السداد المتعاقبة ، مما يؤدي إلى زيادة أعباء الدين.
الفرق الموضوعى بين القروض المفيدة، وتلك الضارة، يمكن التعبير عنه فى الفكر الاقتصادى بمفهوم “استدامة الدين”؟ ويقصد به، قدرة بلد ما على تمويل إنفاقه وخدمة ديونه من دون أن يصبح الدين عبئاً يصعب السيطرة عليه في المستقبل، إذا نما القرض وفوائده، مع الوقت، بسرعة أكبر من قدرة الاقتصاد على النمو، تصبح التكلفة والخدمات المطلوبة لسداد الدين، أقوى من قدرة البلد على السداد.
أما إذا كان الدين يتزايد بمعدل يتناسب مع النمو الاقتصادي المتحقق، وتتحسن وتنمو الإيرادات إيجابياً بتوازن مع أصل وأعباء القرض، فسيظل بالإمكان سداد الفوائد والاستحقاقات بل والتوسع فى توفير الخدمات للمواطنين دون تقليص الاستثمار، أو فرض أعباء إضافية على الأجيال القادمة، لأن استدامة الدين تؤثر مباشرة في ثقة المستثمرين والأسواق وتكاليف التمويل، و قدرة الحكومة على الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية ، ومواجهه الصدمات المفاجئة.
ولضمان تحقيق الدولة المُقترضة مستويات عالية من “”استدامة الدين”” لابد من تطبيق استراتيجيات خاصة لإدارة الدين، و الاستفادة القصوى من القروض الخارجية، وتقليل المخاطر المرتبطة بها.
وتشمل تلك الاستراتيجيات وضع خطط واضحة للتمويل، تبعاً لأهداف الخطة القومية الاقتصادية، وتحديد سقف معين لمستوى الدين العام، وكذلك تنويع مصادر التمويل بين القروض المباشرة، السندات، وقروض المؤسسات الدولية.
من الضروري أيضاً متابعة سوق الدين الدولية بشكل دوري لضمان الحصول على شروط تمويل ملائمة، مع العمل على تحسين التصنيف الائتماني للدولة لتخفيض تكاليف الاقتراض.
كما تعمل على سداد الديون في الوقت المحدد، مع الحرص على استثمار الموارد المقترضة في مشاريع ذات عائد اقتصادي مرتفع يُسهم في تحسين القدرة على السداد وتعزيز النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، يتم تقييم نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل دوري للتأكد من استدامة الدين، والعمل على تحسين هيكل الدين ليشمل نسباً أكبر من الدين الداخلي الذي يوفر مرونة أكبر في السداد.
وفي حالة وجود أزمات أو تحديات غير متوقعة، يتوجب للدول اعتماد استراتيجيات طارئة، مثل إعادة الجدولة أو سداد الديون على أقساط، للحد من الأعباء المالية وللحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني، مع ضرورة التنسيق بين السياسات المالية والنقدية لضمان توازن الاقتصاد الكلي.
وفي النهاية، فإن الإدارة الحكيمة للدين الخارجي تساعد على تحقيق التنمية المستدامة من خلال ضمان التمويل المستمر للمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، وتفادي تعثر الدول في سداد ديونها، الأمر الذي يُعد أساسياً لضمان استقرار اقتصادها واستمرارية نموها في بيئة عالمية متغيرة.