أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله تعريف الممرات الخضراء، وأهم أنواعها مع إبراز لدورها وأهميتها، مشيراً إلى أن العالم شهد في العقود الأخيرة تغيرات مناخية أثرت سلبًا على مختلف القطاعات التنموية في مختلف البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يتبني العديد من المشروعات والمبادرات للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والانبعاثات المسببة له، وكان من بين تلك الحلول، الشروع في تبني “مشروعات الممرات الخضراء”، ولا سيما في قطاع النقل والشحن؛ نظرا لما يسهم به هذا القطاع من انبعاثات كربونية كبيرة.
أوضح التحليل أن عام 1990 شهد ظهور مصطلح “الممر الأخضر” أو كما يطلق عليه “ممر التنوع البيولوجي” تزامنا مع الاهتمام الدولي بموضوعات البيئة والمناخ والتنوع البيولوجي، فالممر الأخضر في العموم هو أحد إجراءات التخفيف من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية بغرض الحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات الدفيئة، سواء كان ممرا طبيعيًّا أو اصطناعيًّا، وقد أكد على هذا التعريف “جاك أهيرن”، أحد رواد حركة الممر الأخضر الدولية في جامعة “ماساتشوستس” عندما عرفها بأنها “تلك العناصر الخطية المخططة أو غير المخططة، والتي تسمح بالاستخدام البيئي والاجتماعي والثقافي المتعدد، وتتفق بدورها مع استدامة الأراضي، وتشمل الممرات المائية أو الممرات البرية”، حيث اعتمد في تعريفه على الاستفادة من الممرات الطبيعية لمواجهة مخاطر الحوادث المناخية، كما أضاف العنصر البشري للتعريف من خلال ذكره للعناصر الخطية “المخططة”، فقد أوضح إمكانية إنشاء الممرات الخضراء في حال الحاجة لها، ومن ثم عدم الاقتصار فقط على الممرات الطبيعية. وعرفها المنتدى البحري العالمي بأنها: طرق تجارية محددة يتم من خلالها تشجيع النقل والشحن الخالي من الانبعاثات وتعزيزها بالتسهيلات المطلوبة.
وبناء على ما تقدم من تعريفات، تبرز أهمية الممرات الخضراء من حيث كونها وسيلة جيدة للحد من تلوث الهواء وظاهرة الاحتباس الحراري، وتستهدف التنمية المستدامة وحماية التنوع البيولوجي والبيئي، وتسهم في معادلة درجة حرارة الأرض، كما تعد طرقًا للشحن والنقل الأخضر، ولا سيما في حالة ممرات النقل الخضراء البحرية كالموانئ، والبرية كالطرق والسكك الحديدية، وتساعد أيضا على تحويل وسائل النقل المختلفة للعمل بالوقود الأخضر غير الملوث للبيئة والتخلص من الوقود التقليدي.
مشروعات الممرات الخضراء
وذكر المركز أن الحراك العالمي بدأ نحو تبني مشروعات الممرات الخضراء في شكل تعاون بين الدول انطلاقا من المسؤولية الجماعية للحد من الانبعاثات الدفيئة والنهوض باتجاه الاستدامة والنمو الأخضر، وكانت البداية عام 2018 حين قامت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية باعتماد استراتيجية أولية للحد من الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل والشحن لخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 50% بحلول 2050، كما وقعت نحو 22 دولة على إعلان “كلايدبانك” خلال قمة أطراف المناخ لعام 2021 بشأن ممرات الشحن الخضراء، بغرض الحد من الانبعاثات الدفيئة المرتبطة بالشحن والصناعات البحرية، ودعم عملية إنشائها، وبموجب هذا الإعلان تلتزم الدول بإنشاء ممرات بحرية خضراء بالاعتماد على الوقود الحيوي غير التقليدي مثل الميثانول والأمونيا والهيدروجين الأخضر، وقد اتفق على أن تنشأ الدول الأعضاء ستة ممرات خضراء بحلول 2025،بهدف تسريع عملية التحول للممرات الخضراء بحلول عام 2030، وإحلال الوقود والبنية التحتية والتشريعات القانونية واللوائح.
وأضاف التحليل أنه لم يقتصر التعاون عند حدوده الجماعية بل امتد ليشمل كذلك التعاون الثنائي بين الدول، للاتجاه نحو مشروعات الممرات الخضراء، وكان من أبرزها التعاون بين الولايات المتحدة وسنغافورة، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم في أبريل 2023 بين هيئات مواني كل من لوس أنجلوس ولونج بيتش والموانئ البحرية بسنغافورة، لإنشاء ممر أخضر رقمي ومجمع ميناء خليج “سان بيدرو” للإسهام في التحول الأخضر للسفن والحد من الانبعاثات الكربونية.
وقد استعرض تحليل مركز المعلومات عددًا من المبادرات وكذا مشروعات الممرات الخضراء التي تم تنفيذها بالفعل، سواء كانت للنقل والشحن أو التنزه وذلك كالتالي:
1- أهم ممرات (التنقل – التنزه) الخضراء في العالم: حيث أُنشئت الممرات التالي ذكرها بهدف التنزه والانتقال من المدن المختلفة وإليها بعيدًا عن تلوث وصخب المدن الكبيرة، مثل:
– ممر مانهاتن ووترفرونت جرينواي الأخضر بنيويورك: ويحيط الممر بجزيرة “مانهاتن” ويبلغ طوله 51.4 كم، ويتميز بأنه يحوي العديد من أشكال الحياة الطبيعية كالزهور والنباتات والأشجار، ويتكون الممر من ثلاثة أجزاء ممثلة في نهر “هدسون”، والنهر الشرقي، ونهر “هارلم”، ويحوي ممرات للمشي وأخرى لعبور الدراجات.
– الممر الأخضر للدانوب السفلي بأوروبا: وقع وزراء البيئة لكل من “بلغاريا” و”رومانيا” و”أوكرانيا” و”مولدوفا” عام 2000 على إعلان إنشاء ممر أخضر على طول نهر الدانوب السفلي بهدف حماية الأراضي من مخاطر الرطوبة والفيضانات والتغيرات المناخية. ولتأمين الأراضي للحيوانات البرية، وتحت مظلة تلك المبادرة تم وضع 1.4 مليون فدان من الأراضي تحت مظلة الحماية البيئية لمبادرة الممر الأخضر لنهر الدانوب.
2- أهم ممرات الشحن الخضراء في العالم: وتشمل الممرات البحرية والبرية المرتبطة بالطرقات والسكك الحديدية والموانئ القابلة للتحول لممرات خضراء مثل:
– ممر الشحن الأخضر بين شنغهاي ولوس أنجلوس “ميناء لونج بيتش”: كشف المدير التنفيذي لميناء لونج بيتش الأمريكي “جين سيروكا” عن إنشاء ممر شحن أخضر بين لوس أنجلوس وشنغهاي كطريق بحري عبر المحيط الهادئ خالٍ من الانبعاثات الكربونية في الثاني والعشرين من سبتمبر 2023.
– قناة بنما: أصبحت تلك القناة ممرًا أخضر، نظرا لكونها تتبع معايير خفض الانبعاثات الكربونية العالمية، واستطاعت القناة فعليًّا خلال عام 2021 أن تخفض نحو 16 مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وكانت أكثر السفن مساهمة في هذا الإنجاز ناقلات الحاويات التي خفضت نحو 5.2 ملايين طن مكافئ للكربون، وناقلات البضائع السائبة الجافة بمقدار 2.5 مليون طن مكافئ للكربون، وناقلات البضائع للمواد الكيميائية 1.77 مليون طن، وسفن غاز البترول المسال 1.2 مليون طن.