هزت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين في أميركا (التضخم)، والتي جاءت أكثر سخونة من التوقعات، الأسواق الأربعاء إلا أن الجدل الأكبر يدور حول مؤشر فرعي محدد ضمن البيانات يُسمى “مؤشر التضخم الأساسي المعدل أو ما يعرف بالتضخم الأساسي المتشدد” (Supercore Inflation).
لم يكن ارتفاع التضخم بشكل عام هو الأمر الوحيد الذي أثار قلق الأسواق، بل إن هناك اهتماماً متزايداً بمؤشر فرعي يُسمى “مؤشر التضخم الأساسي المعدل” والذي يستبعد بعض البنود المتقلبة من الحساب، مما يُعطي إشارة أوضح عن الاتجاه الأساسي للتضخم.
إلى جانب مقياس التضخم العام، يراقب الاقتصاديون أيضًا مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، للعثور على الاتجاه الحقيقي للتضخم.
في حين يذهب مؤشر التضخم الأساسي المتشدد (Supercore) إلى أبعد من ذلك، حيث يشير إلى قياسات التضخم التي تستبعد المزيد من العناصر المتقلبة من التضخم الأساسي، مثل:
منذ نوفمبر الماضي، ركز بنك الاحتياطي الفيدرالي على مقياس التضخم الأساسي المعدل، ويرى مسؤولو الفيدرالي أنه مفيد في المناخ الحالي حيث يعتبرون ارتفاع التضخم في قطاع الإسكان مشكلة مؤقتة وليست مؤشرًا جيدًا على الأسعار الأساسية.
تسارعت وتيرة التضخم الأساسي إلى 4.8 بالمئة على أساس سنوي في شهر مارس، وهي أعلى نسبة منذ 11 شهرًا.
وقبل صدور بيانات التضخم الأميركية الأخيرة والتي جاءت أعلى من المتوقع، بدأ مسؤولون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) الشهر الماضي بالقلق من احتمال توقف التقدم في خفض التضخم، وأن فترة أطول من السياسة النقدية المتشددة قد تكون ضرورية لكبح جماح التضخم وارتفاع الأسعار.
ووفقًا لمحضر اجتماع لجنة السياسة النقدية في الفيدرالي، الذي عقد في 19 و 20 مارس ونُشر الأربعاء، فإن بعض المسؤولين “أثاروا احتمال أن يكون سعر الفائدة الحالي الذي يتراوح بين 5.25 بالمئة و 5.50 بالمئة أقل تقييدا من المطلوب، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي ويفرض ضغوطاً تصاعدية على التضخم”.
وتُعد هذه المخاوف مؤشرًا محتملًا على أن الفيدرالي قد يضطر إلى اتخاذ إجراءات إضافية لكبح جماح التضخم، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة في اجتماعات السياسة النقدية المقبلة.
قال توم فيتزباتريك، المدير التنفيذي في شركة آر.جيه. أوبراين وشركاؤه، أنه إذا أخذنا قراءات “التضخم الأساسي المعدل” خلال الأشهر الثلاثة الماضية وحولناها إلى أساس سنوي، فإننا ننظر إلى معدل يتجاوز 8 بالمئة، وهو بعيد جدًا عن هدف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي البالغ 2 بالمئة.
وأضاف فيتزباتريك: “في ضوء الوضع الحالي، أعتقد أنهم “مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي” يشعرون بالقلق الشديد.”
أزمة مستمرة
أظهرت البيانات الأخيرة أن التضخم ارتفع بنسبة 3.5 بالمئة على أساس سنوي في مارس الماضي، متجاوزا توقعات الأسواق التي كانت تشير إلى 3.4 بالمئة
ضغطت البيانات على الأسهم وأرسلت عوائد سندات الخزانة إلى الارتفاع الأربعاء، ودفعت متداولي سوق العقود الآجلة إلى تمديد التوقعات بشأن أول خفض لسعر الفائدة من قبل البنك المركزي حتى سبتمبر من يونيو، وفقًا لأداة FedWatch التابعة لمجموعة CME.
قال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في سانتاندير الأميركية: “في النهاية، لا يهمهم الأمر حقًا طالما يصلون إلى معدل تضخم 2 بالمئة، ولكن الحقيقة هي أنك لن تصل إلى معدل تضخم مستدام عند 2 بالمئة إذا لم تشهد انخفاضًا رئيسيًا في أسعار الخدمات، وفي الوقت الحالي لا نرى ذلك”، بحسب شبكة سي ان بي سي الأميركية.
كانت وول ستريت على دراية تامة بالاتجاه القادم من التضخم الأساسي منذ بداية العام.
فقد أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في يناير الماضي ارتفاع التضخم عن التوقعات، مما أضعف من ثقة السوق في قدرة البنك الفيدرالي على السيطرة على التضخم.
وفقًا لـ رئيس BMO Capital Markets لاستراتيجية أسعار الفائدة، إيان لينجن، فإن ارتفاع التضخم يُثير تساؤلات حول نجاح جهود الفيدرالي في معركته ضد التضخم، وستظل هذه المسألة محل لغز لعدة أشهر قادمة.
من جانبه، يرى “فيتزباتريك” أن التحدي الآخر الذي يواجه الفيدرالي يكمن في اختلاف الأسباب التي أدت إلى التضخم الحالي عن التضخم السابق. ففي عامي 2021 و 2022، كان التضخم مدفوعًا بالطلب القوي وتحفيزات مالية كبيرة مكّنت المستهلكين من زيادة الإنفاق التقديري، وهو ما ساهم أيضًا في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
وتابع قائلا: “أما الوضع الحالي فهو أكثر تعقيدًا، حيث أن بعض أهم مكونات التضخم في قطاع الخدمات ترتبط بضروريات الأسر مثل تأمين السيارات والمنازل بالإضافة إلى الضرائب العقارية”.
وأضاف فيتزباتريك: “إنهم خائفون للغاية (أعضاء الفيدرالي) مما حدث في عامي 2021 و2022 لدرجة أننا لا نبدأ من نفس النقطة التي بدأنا بها في مناسبات أخرى … المشكلة هي أنك إذا نظرت إلى كل هذا معاً فهذه ليست بنود إنفاق تقديرية، وهذا يضعهم في موقف صعب للغاية بين المطرقة والسندان”.
مشكلة التضخم المستعصية
قال فيتزباتريك “يواجه صانعو السياسة النقدية تعقيدًا إضافيًا في المشهد الاقتصادي الراهن نتيجة عاملين رئيسيين:
انخفاض معدل ادخار الأفراد: يؤدي إلى انخفاض معدل ادخار الأفراد إلى تراجع الطلب الكلي في الاقتصاد، حيث يميل الناس إلى إنفاق الأموال بدلًا من توفيرها.
ارتفاع تكلفة الاقتراض: يُعد ارتفاع تكلفة الاقتراض نتيجة لسياسة رفع أسعار الفائدة التي ينتهجها البنك المركزي. ويعمل ذلك على كبح الاستثمارات والإنفاق من قبل الشركات والأفراد على حد سواء.
في ضوء هذين العاملين، يرجح أن يُبقي البنك المركزي السياسة النقدية تقييدية “حتى يطرأ انهيار في جانب ما من الاقتصاد”.
وحذر فيتزباتريك من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواجه صعوبة في خفض التضخم من خلال المزيد من رفع أسعار الفائدة وذلك لأن العوامل الرئيسة المسببة للتضخم الحالي أكثر صعوبة في التأثر وتقلّ استجابتها لتشديد السياسة النقدية.
وأوضح أن الارتفاعات الأخيرة في التضخم تشبه إلى حد كبير زيادات الضرائب من حيث تأثيرها على الأسعار.
وبينما يرى ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في سانتاندير أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال بعيدًا عن رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، فإن القيام بذلك سيظل احتمالًا طالما ظل التضخم مرتفعًا فوق هدف الـ 2 بالمئة.
وقال ستانلي: “أعتقد أن التضخم سينخفض بشكل عام، وسيقوم البنك الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق عما كنا نعتقد. السؤال هو: هل ننظر إلى شيء أصبح راسخًا هنا؟ في مرحلة ما، أتخيل أن إمكانية رفع أسعار الفائدة تعود إلى دائرة الضوء.”
وفي وقت سابق، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن بنك الاحتياطي الفيدرالي عادةً ما يستجيب للتضخم المرتفع بزيادة أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد والحد من الضغوط التضخمية.
ومع ذلك، فإن الارتفاع الأخير في معدلات التضخم، يظهر أن:
الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى إعادة النظر في توقيت ومدى خفض أسعار الفائدة مقارنة بما كان مخططا له أو متوقعاً من قبل.
الفيدرالي الذي حافظ حتى الآن على أسعار الفائدة ضمن نطاق مرتفع يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، قد يجد نفسه مضطرًا إلى التأني قبل تنفيذ أي خفض لأسعار الفائدة، خاصةً في ضوء البيانات الأخيرة حول التضخم.