طالت أزمة نقص الخامات الناتجة عن شح الدولار الحاد في مصر، مشروعات البنية التحتية مثل الطرق والكباري، والتي تعمل البلادعلى إنجازها حالياً في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة المصرية على سرعة تنفيذ المشروعات الكبرى، التي أطلقتها خلال العامينالماضيين، تواجه كبرى شركات المقاولات العاملة بها عدة أزمات أبرزها تداعيات شح الدولار، وارتفاعه الشديد في السوق الموازية،بحسب الشرق واطلعت عليه «بايونيرز مصر».
وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 70 جنيهاً نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يتراجع إلى ما يتراوح بين 57 و60 جنيهاً حالياً، بحسب متعاملين في السوق الموازية، لكن مع ذلك لا تزال الفجوة كبيرة مع السعر الرسمي البالغ 30.9 جنيه للدولار منذالعام الماضي.
ارتفع طول الطرق المرصوفة في مصر بنسبة 99% خلال 10 سنوات، لتتخطى 130 ألف كيلومتر بنهاية 2023، مقارنة بنحو 66 ألف كيلومتر في عام 2013، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
تأخر صرف التعويضات وفروق الأسعار
قال رئيس إحدى الشركات الحكومية الكبرى العاملة في المقاولات، لـ”الشرق” مشترطاً عدم نشر اسمه، إن الأزمة الحالية في قطاعالمقاولات تتمثل في نقص المواد الخام وأبرزها مادة (البيتومين) المستوردة، والتي تعد عنصراً أساسياً في مشروعات الطرق والكباري،إلى جانب ارتفاع أسعار الخامات المحلية بشكل متسارع نتج عنه خفض شركات التوريدات ومنها الحديد والأسمنت الكميات المتعاقدعليها لأقل من 50%.
يصل إجمالي المنتج شهرياً من البتيومين من خلال شركات البترول إلى 250 ألف طن، ويتم استيراد كمية مماثلة لتغطية الاحتياجات،إلا أنه منذ بداية الربع الأخير من 2023 تم وقف الاستيراد بشكل نهائي، مع مطالبة جهات الإسناد بإنهاء التعاقدات وفقاً للجدولالزمني المعتمد.
رئيس الشركة الحاصلة على مشروعات من وزارة النقل في قطاعات الطرق والكباري والكهرباء والموانئ، أوضح أن تأخر الحكومة فيصرف التعويضات وفروق أسعار التنفيذ، مروراً بعدم قدرة الشركات على فتح أي اعتمادات مستندية لشراء معدات وقطع غيار جديدة،أثر بشكل سلبي على الشركات.
أنفقت مصر نحو 10 تريليونات جنيه (323 مليار دولار) على مشاريع البنية التحتية، والتي شملت إنشاء طرق وموانئ وتطوير السككالحديدية، بحسب ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال فعاليات مؤتمر “حكاية وطن” المنعقد أكتوبر الماضي، وذلك منذتوليه السلطة في 2014.
تعديل آلية صرف فروق الأسعار
من جانبه، قال رفقي كامل، رئيس قطاع تنمية الأعمال بشركة سامكريت، إن أزمة شح العملة الأجنبية نتج عنها نقص شديد للخاماتالأساسية للمشروعات، مع ارتفاع غير منطقي في الأسعار، فضلاً عن تضاعف تكاليف المشروعات.
تعيش مصر أزمة اقتصادية صعبة، تفاقمها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، تضاف إلى شح السيولة الدولارية بسبب تراجعتحويلات العاملين في الخارج وانخفاض معدلات الصادرات.
أحجمت بعض الشركات عن المنافسة في مشروعات جديدة، بسبب عدم قدرتها المالية على توقع الزيادات السعرية التي تطرأ أثناءالتنفيذ والتي تشهدها مواد الإنشاء إضافة إلى تأخر الحصول على المستحقات المالية، بحسب كامل، مطالباً الحكومة بتعديل آليةصرف فروق الأسعار ليتم إتاحتها بالتوازي مع صرف المستخلصات حتى بتمكن العاملون من الاستمرار.
أضاف أن تكلفة الحصول على قروض من البنوك في الوقت الحالي أصبحت مكلفة بسبب ارتفاع الفائدة وتأثيرها السلبي على الأداءالمالي للشركات فيما بعد.
رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في أول اجتماعاته للعام الحالي 200 نقطة أساس ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراضلليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق عند مستويات 21.25%، و22.25% و21.75% على التوالي.
ضغوط على سيولة المقاولين
لم تقف أزمة شركات المقاولات عند بند تسعير الأعمال نتيجة التذبذب الشديد في العملات الأجنبية في السوق الموازي بل إن شركاتالحديد والأسمنت تشترط سداد القيمة كاملة قبل التسليم، الأمر الذي يضغط على السيولة المالية لدى المقاولين، بحسب طارق يوسفالرئيس التنفيذي لشركة كونكريت بلس للمقاولات والصناعة.
تراجعت أسعار حديد التسليح 6% منذ مطلع الأسبوع الجاري في الأسواق المصرية إلى 49.92 ألف جنيه للطن تسليم أرضالمصنع، وكذلك بنفس النسبة للمستهلك لتسجل 51.7 ألف جنيه للطن، بحسب ما أعلنته شركة حديد عز، أكبر منتج لصناعة حديدالتسليح والصلب في مصر، وصاحب أكبر حصة سوقية.
تحصل شركات المقاولات فروق الأسعار من الحكومة بعد مدة زمنية لا تقل عن 3 أشهر وفي بعض الأحيان تصل إلى عام كامل منوقت المستخلص.
انخفض إنتاج مصر من حديد التسليح خلال العام الماضي بنحو 4% إلى 8 ملايين طن، بحسب وثيقة حكومية اطلعت عليها“الشرق” سابقاً، وأظهرت انخفاض حجم المبيعات أيضاً بنحو 17.7% إلى 6.5 مليون طن.
قال محمد طارق المدير الإقليمي لشركة اتحاد المقاولين العالمية “CCC“، إن بعض المقاولين يعتمدون على الموردين الكبار لتوفيرالخامات لكن بأسعار مرتفعة جداً بسبب امتناع البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية منذ شهور وصعوبة شراء عملات من السوقالموازية.
فجوة كبيرة في قيمة العقود
ارتفعت أسعار المنتجات بوتيرة متسارعة، مما خلق فجوة كبيرة في قيمة العقود المبرمة مع شركات القطاع الخاص والمقاولين، ونتج عنذلك أزمات كبيرة في تسليم المشروعات، لأنه لا يوجد بنود قانونية ملزمة بتعويض الشركات قبل الانتهاء من المشروع على غرار المتبعفي الجهات الحكومية، بحسب طارق.
أنهت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، وأعلنت عن إحراز تقدم في المناقشات مع السلطاتالمصرية، فيما ستواصل عقد لقاءات افتراضية لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم لسد فجوة التمويل المتزايدة في البلاد، وسطتوقعات بأن تساهم المحادثات في توفير تمويلات تتجاوز 10 مليارات دولار لمصر من الصندوق والمانحين.
تعاني الشركة المصرية للصيانة الذاتية للطرق والمطارات، التابعة لوزارة النقل المصرية، من أزمة حادة في شراء خامات “الصواميل،وأسلاك الصلب، والفوارغ المعدنية” لمصنعها الجديد المتخصص في إنتاج الفلنكات الخرسانية لصالح القطار الكهربائي السريع،لعدم قدرتها على فتح أي اعتمادات مستندية منذ أغسطس الماضي، بحسب مسؤول بالشركة.
تواجه الصناعة في مصر أزمة خانقة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وشح الدولار اللذين تسببا في تراجع الإنتاج ووقف الخططالتوسعية، وهددا بإغلاق عدد كبير من المصانع التي تعمل في القطاعات الاستراتيجية، بحسب 8 مصنعين تحدثوا مع “الشرق” نهايةالشهر الماضي.