وفقًا للأمم المتحدة يُعرف سوق الكربون بأنه نظام تجاري يمكن الدول من خلاله شراء أو بيع وحدات من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في محاولة للالتزام بالحدود الوطنية المسموح بها للانبعاثات، وذلك بموجب بروتوكول كيوتو أو اتفاقيات أخرى، مثل الاتفاقيات الموقّعة فيما بين دول الاتحاد الأوروبي، ويتم التركيز في هذا المصطلح على أن غاز ثاني أكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري السائد، ويتمّ قياس انبعاثات الغازات الأخرى بوحدات تسمى مكافئات ثاني أكسيد الكربون.
مثال على ذلك، إذا افترضنا أنّ انبعاثات أسبانيا من الغازات الدفيئة 110 مليون طن، وتشتمل المساهمات المحددة وطنيًا لها على 130 مليون طن، مما يعني أنها تمكنت من خفض انبعاثاتها عن الحد الأقصى بـ 20 مليون طن. من جانب آخر، دولة مثل ألمانيا، وصلت انبعاثاتها إلى 140 مليون طن، وبذلك تجاوزت الحد الأقصى من الانبعاثات بـ 10 مليون طن. في هذه الحالة، تستطيع ألمانيا شراء أرصدة الكربون المتبقية لإسبانيا، وبذلك، تحقق ألمانيا أهدافها المناخية، من جانب آخر، تستفيد أسبانيا ماديًا ويتم تحديد سعر الانبعاثات من خلال ديناميكيات العرض والطلب داخل السوق.
وهناك أنواع لأسواق الكربون:
– أسواق الامتثال: تقوم الحكومات والشركات والجهات الأخرى –غير الملتزمة بخفض نسب الانبعاثات- بشراء تعويضات الكربون؛ امتثالًا بالحدّ الأقصى لإجمالي الانبعاثات، وتنشط هذه الأسواق بكثرة في الأسواق الأوروبية والأمريكية.
– الأسواق الطوعية لتعويضات الكربون: فهي أسواق تشارك فيها منظمات تحمل على عاتقها الخفض الذاتي للانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري حيث تسمح تلك الأسواق بشراء الحكومات والشركات والأفراد في استثمارات لمشروعات صديقة للبيئة مقابل الانبعاثات التي ولّدها استخدامهم الشخصي.
وتُعدُ تعويضات الكربون حلًا مؤقتًا للتغلب على الانبعاثات، إلّا أنه حلّ غير مستدام؛ لأن الحكومات والشركات التي تلجأ إليه تقوم بممارسة “الغسل الأخضر” للاستثمارات القائمة على الوقود الأحفوري.
المادة 6 في اتفاق باريس:
تحتوي على عدد من الفقرات، لكن أهمها الفقرة الثانية والرابعة والثامنة وهي كالآتي:
الفقرة الثانية: تسمح للدول الموقعة على الاتفاقية بتداول أرصدة الكربون فيما بينها، بدون إشراف دولي، وبصورة طوعية.
الفقرة الرابعة: يتم تداول أرصدة الكربون لكن تحت إشراف الأمم المتحدة.
الفقرة الثامنة: تحفيز الشركات والمؤسسات على خفض انبعاثاتها عن طريق تطبيق الضرائب على الانبعاثات.
تصريح انبعاثات الكربون (سندات الكربون):
تنادي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والاتجاه نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومن ناحية أخرى نظرًا لأنها تمتلك الأموال ستستمر في تشغيل المصانع والإنتاج عن طريق استخدام الوقود الأحفوري، ثم تقوم بعد ذلك بالذهاب إلى الدول الفقيرة والنامية واغرائهم بالمال من أجل شراء تصاريح الانبعاثات الكربونية وفي نفس الوقت لن تستطيع هذه الدول القيام بالاستثمار في التكنولوجيا الحديثة للطاقة المتجددة دون الرجوع إلى الدول الكبرى التي لديها المعرفة وتمتلك حقوق الملكية الفكرية لتلك التكنولوجيا، وبالتالي ستتم عملية الشراء من الدول الكبيرة، والتي ستعوض المبالغ التي دفعتها في شراء تصاريح انبعاثات الكربون، عن طريق قيامها ببيع التكنولوجيا المتقدمة والحديثة في مجال الطاقة المتجددة لهذه الدول مرة أخرى، وفي هذه الحالة تكون الدول الكبرى قد حققت الهدف الذي تسعى له، وهو الحصول على الوقود الأحفوري (البترول والغاز الطبيعي) بثمن زهيد جدًا عن طريق خفض الطلب العالمي عليه.
وفي ذات الوقت فإن الدول المنتجة للنفط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص مدركة تمامًا لتخطيط الدول الكبرى كأوروبا وأمريكا لتلك السياسة لذلك فإنها تمارس الضغط من أجل الاستمرار في إنتاج الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى الاستثمار في تكنولوجيا تقنيات تنظيف الانبعاثات، وهذا هو الرأي المرجح والواقعي الذي سيلقى قبول الغالبية.
نتائج مؤتمر المنُاخ Cop28:
هناك تحديات كبيرة يواجهها الاقتصاد العالمي ترجع في أسبابها إلى تغيرات المناخ لذلك كان هناك تركيز كبير في مؤتمر الأطراف COP28 المعني بتغير المناخ، أن يتم التوصل إلى توافق عالمي وإيجاد خطة عمل تسهم في الوصول إلى اتفاق عادل ومنصف لذلك كان هناك اهتمام خاص من جميع الدول باختلاف مستوياتها؛ في الوصول إلى اتفاق حيث تم مشاركة نحو 70 ألف مشارك من قادة الدول، وممثلين عن القطاعين العام والخاص؛ حيث يرتفع سقف الطموحات نحو الخروج بنتائج استثنائية، تسهم في الحد من التداعيات والآثار المتوقعة للتغير المناخي ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق إرادة حقيقية لدى الدول للتوافق حول قرارات ونتائج ملزمة.
ولقد شهدت فعاليات كوب 28 نتائج غير مسبوقة، حيث تم التوصل إلى توافق عالمي بين نحو 198 دولة مشاركة في رسم خارطة طريق كما التوصل إلى خطة عمل تسهم في تمكين العمل المناخي على مستوى دول العالم باتفاق عادل ومنصف، بهدف الحد من تداعيات التغيرات المناخية والحفاظ على حق الأجيال القادمة في الوصول إلى مستقبل آمن ومستدام.
ولقد ركز المؤتمر على عدد من القضايا الرئيسية والهامة كان من أبرزها:
تناول العديد من القضايا مثل إلقاء الضوء على المخاطر الناتجة عن الاضطرابات الجیوسیاسیة التي تهدد الاستقرار العالمي، وتفاقم الكوارث المناخية واستمرار أزمة الغذاء وقِلة الدعم الموجَه للدول الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ، وارتفاع الطلب على الوقود الأحفوري، والابتكارات المنخفضة الانبعاثات والنمو السريع للطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة، ومتابعة تفعيل ترتيبات تمويل صندوق الخسائر والأضرار.
وتم التوصل إلى عدد من النتائج الهامة والتي كان من أبرزها:
– للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف COPتم الاتفاق بشأن التحول التدريجي عن الوقود الأحفوري حيث تمت الموافقة على التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، والإسراع في التحول إلى الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات الغازات الدفيئة الصفرية بحلول عام 2050، وتم الاتفاق على اتخاذ إجراءات تشمل الحد من الانبعاثات؛ حيث تم الإقرار بضرورة عمل تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بما يتماشى مع هدف اتفاق باريس 1,5 درجة مئوية، من خلال بعض الإجراءات، مثل تسريع تقنيات الانبعاثات الصفرية والمنخفضة، واستخدام أنواع وقود خالية من الكربون ومنخفضة الكربون قبل عام 2050، واستخدام الهيدروجين وتسريع الجهود نحو التخفيض التدريجي لإنتاج واستخدام للفحم، وتم الدعوة إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدلات كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
– تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الاتفاق على إنشائه في مؤتمر شرم الشيخ بمصر كوب27، وبلغ اجمالي المساهمات المقدمة به نحو 726 مليون دولار لتعويض دول الجنوب الأكثر تضررًا من تغير المناخ، وتخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب.
– التوافق بشأن الزراعة المستدامة حيث تم التوصل إلى 11 اتفاقية تغطي مختلف جوانب العمل المناخي؛ بداية من التمويل إلى الزراعة والصحة؛ فمن بين الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، ما يتعلق بقطاع الزراعة والأمن الغذائي فتم التوقيع من قِبل 153 دولة بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، وتم التعهد بمبلغ 2,7 مليار دولار لقطاع الصحة؛ كما تم إقرار تعهد التبريد العالمي من 66 دولة.
– التعهد بتمويل مبادرات المياه والصرف الصحي عن طريق تقديم تمويل بقيمة 45 مليون دولار، لمبادرة تحفيز الجوانب الفنية والمالية لمرافق المياه والصرف الصحي في المناطق الحضرية، وفيما يتعلق بشأن المناخ والطبيعة والإنسان، تم إقرار البيان المشترك لـ COP28بشأن المناخ والطبيعة والإنسان، باتفاق 18 دولة، وتم انضمام 30 دولة إلى تحالف القُرم من أجل المناخ الذي أطلق بالشراكة بين الإمارات وإندونيسيا في COP27، كما تم إطلاق مبادرة تنمية المحيطات الهادفة إلى دعم الحياة البحرية بالتزامن مع خفض الانبعاثات، فضلاً عن انضمام 86 دولة لعضوية التحالف العالمي للاقتصاد الأخضر.
ازدواجية المعايير في التحول عن الوقود الأحفوري في مؤتمر المناخ Cop28:
كان من نتائج المؤتمر الاتفاق بشأن التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي، لكنه في نفس الوقت لم يتحدث عن التخلي عن الفحم أو البترول أو الغاز، وهو الطلب الذي طالبت به أكثر من 100 دولة، بعدما رفضت السعودية والكويت والعراق أي اتفاق يمس بالبترول أو الغاز الطبيعي، كما تم الاعتراف بالدور الذي تلعبه مصادر الطاقة الانتقالية، والمقصود هنا الغاز، في ضمان “أمن الطاقة” في الدول النامية، حيث ما زال نحو 800 مليون شخص محرومين من الكهرباء، وفي نفس الوقت يتم الدعوة إلى تسريع التكنولوجيات ذات انبعاثات “صفر كربون”، ومن ضمن ذلك الهيدروجين والطاقة النووية وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، والتي ما زالت محل دراسة.
ولقد رفضت دول خليجية مقترح التخلي عن الوقود الأحفوري والتي تمتلك أكثر من 30% من احتياطيات النفط في العالم، فضلاً عن أكثر من 20% من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي، لأنه يمثل المصدر الرئيسي للنمو وتتخطى مكاسب إيراداته أكثر من 60% للإيرادات الحكومية، وفي مقدمة هذه الدول السعودية، حيث لم ينص الاتفاق على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري، بل نص على عملية تحول، حيث أعطى لكل دولة الحق باختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، وذلك نظرًا لأن دول الخليج مركز لإنتاج البترول والغاز وأهميته بالنسبة لها كمصدر لإنتاج الكهرباء، وبالتالي لن توافق على قبول أي قرار من شأنه أن يتم فيه الاستغناء عن الوقود الأحفوري، كما أن تكلفة الاستثمارات الموجهة نحو الطاقة الخضراء كبيرة جدًا علاوةً على أنها غير مضمونة النتائج.
ومن الأشياء اللافتة للانتباه والتي تدل على ازدواجية المعايير لدى الدول الغربية وأن المعيار الأساسي لكل دولة هو كيفية تحقيق مصالح بغض النظر عن وقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق العدالة المناخية التي يتم التشدق بها، وهو أن الدول نفسها التي تنادي بالتخلص من الوقود الأحفوري هي أولى الدول التي لجأت لاستخدامه في تحقيق مصالحها عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية وتم قطع الغاز الروسي لجأت كلًا من أيرلندا وألمانيا وبولندا إلى استخدام الفحم في توليد الكهرباء عوضًا عن الغاز الروسي فأين تنفيذ اتفاقيات المناخ، وأين تنفيذ صفر انبعاثات أو صفر كربون، كل هذا لا يدع مجالًا للشك ويعطي دلالة واحدة مفادها هي عدم قدرة واستعداد دول العالم على الالتزام بما تنادي به بشأن تخفيض الانبعاثات والتخلص من الوقود الأحفوري فمن الواضح أن المواقف المعلنة من الدول الكبرى تسير في اتجاه، وما يدور في الكواليس في اتجاه آخر وهو الاستمرار في استهلاك انتاج الوقود الأحفوري مع العمل على الاستثمار في التكنولوجيا القائمة على تنظيف الانبعاثات وتقنيات الطاقة المتجددة والتي ما زالت محل دراسة وجدل بسبب ارتفاع تكلفتها من اتجاه، ومن اتجاه آخر لا يمكن لكل الدول الاعتماد عليها وخير مثال على ذلك هو مجال الطاقة الشمسية فهناك دول معدل السطوع الشمسي لديها قليل وبالتالي لن تستطيع أن تحقق شروط إنتاج الطاقة الشمسية حيث أن كمية الإضاءة الناتجة عن سطوع الشمس ستكون معدلاتها قليلة إما كعدد الساعات المطلوبة أو نتيجة تكون الغيوم وفي الحالتين لن تصل كمية الطاقة المطلوبة إلى الألواح الشمسية مما سيؤثر على إنتاج الطاقة.
وختامًا للأمر أرى في وجهة نظري أن المعيار الحقيقي لقياس مدى نجاح مؤتمر كوب28 من عدمه يتوقف على مدى التزام الدول بتنفيذ النتائج والتوصيات الخاصة بالمؤتمر والتي تبقى رهينة لمدى توافر الإرادة السياسية للدول الكبرى، ورغبتها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر، بالإضافة إلى توفير التمويل المناسب والتأكد من تنفيذ التعهدات التي تم الاتفاق عليها بالإضافة إلى توفير آلية للرقابة الفعالة للتأكد من تنفيذ الخطة المتفق عليها للتأكد من المضي قدمًا على المسار الصحيح وتصويب أي انحرافات قد تحدث.