أكد محمد الإتربى رئيس مجلس إدارة اتحاد بنوك مصر، أن دول العالم لا زالت تبذل جهوداً مكثفة لدعم مرحلة التعافي الاقتصادي، ومعالجة المخاطر التي خلفتها أزمة فيروس كورونا المستجد، لاسيما ارتفاع المديونية، وارتفاع مخاطر الائتمان لدى قطاعي الأفراد والشركات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، إضافةً إلى زيادة معدلات التضخم وما تبعه من قيام المصارف المركزية بالتخلي عن السياسة النقدية التيسيرية لضبط التضخم، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع تكلفة الاقتراض، وزيادة احتمالية ارتفاع معدلات التعثر المصرفي لقطاعي الأفراد والشركات، مما يشكل تحدياً كبيراً أمام صانعي السياسات في مواصلة دفع عجلة التنمية في دولهم.
أضاف في كلمته خلال الملتقى السنوي لرؤساء إدارات المخاطر في المصارف العربية، أن القطاع المصرفي يعتبر من القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثراً بالتطورات الاقتصادية والسياسية التي تحدث في العالم بأسره ، وخلال جائحة كوفيد19 وما تبعها من أزمات ، والحرب الروسية الأوكرانية تأثرت سلباً التدفقات النقدية للقطاعين المصرفي والمالي، مما تتطلب اتخاذ إجراءات فورية من قبل المصارف المركزية، بما يحافظ على صحة ومتانة القطاع المالي واستمراريته وفق قواعد العمل المصرفي والمالي السليم، والحفاظ على استدامة الشركات، خاصة المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إضافةً لحماية الأفراد من مخاطر تعثرهم وقدرتهم على السداد، وبالفعل نجحت هذه الجهود في اقتصاداتنا العربية في الحفاظ على المراكز المالية للقطاعات المصرفية رغم المخاطر المحيطة بها، لكن في ظل تعقد نماذج أعمال البنوك في السنوات القليلة الماضية، لا بد من مواصلة الجهود الداعمة لمرحلة التعافي الاقتصادي من جهة، وزيادة مرونة القطاعين المالي والمصرفي من جهة أخرى، ويتطلب ذلك تنسيق مستمر بين السياسات الاقتصادية والاحترازية.
أشار إلى أنه في ظل هذه التطورات الكبيرة التي تشهدها أنشطة البنوك على المستوى العالمي فقد تزايدت وتيرة المخاطر التي تواجهها وتنوعت طبيعتها، ومن جهة أخرى فقد شهدت القواعد الاحترازية المصرفية بصفة عامة ومعيار كفاية رأس المال بصفة خاصة تطوراً ملحوظا وذلك من خلال صدور اتفاقيات بازل الثلاثة.
وتابع: لقد أصبحت إدارة المخاطر في الوقت الحاضر حجر الزاوية فيما يتعلق بممارسة الصيرفة وتطبيقاتها مما أدى إلى حرص المؤسسات المالية الدولية الرقابية كبنك التسويات الدولية من خلال لجنة بازل على إعداد لوائح وإجراءات عن كيفية إدارة المخاطر المصرفية بشكل سليم وكفؤ ليبقى الجهاز المصرفي سليما ومعافى بعيداً عن التأثيرات السلبية.
لقد حرص البنك المركزي المصري على مدار السنوات الماضية على الالتزام بتطبيق أفضل الممارسات الدولية في مجال الرقابة المصرفية خاصة مُتطلبات لجنة بازل وذلك لتعزيز سلامة البنوك العاملة في مصر.
وقال إن مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي المصري تطورت بشكل كبير بنهاية يونيو 2023 فعلى صعيد كفاية رأس المال بلغت القاعدة الرأسمالية إلى الأصول المرجحة بأوزان مخاطر 17.5% ، وبلغت الشريحة الأولى من رأس المال إلى الأصول المرجحة بأوزان مخاطر 14.3% ، وبلغت نسبة رأس المال الأساسي المستمر إلى الأصول المرجحة بأوزان مخاطر 10.6% .
أما فيما يتعلق بجودة الأصول فقد بلغت نسبة القروض غير المنتظمة إلى إجمالي القروض 3.3% ، وبلغت مخصصات القروض إلى القروض غير المنتظمة 91.6% .
وفيما يتعلق بالسيولة بلغ متوسط نسبة السيولة الفعلية لدى البنوك بالعملة المحلية 37.6%، و متوسط نسبة السيولة الفعلية لدى البنوك بالعملات الأجنبية 70.1%.
وقد بلغ إجمالي أرصدة التسهيلات الائتمانية 4.9 تريليون جنيه ، بينما بلغ أجمالي الودائع 9.6 تريليون جنيه.
ولفت إلى أنه في السنوات القليلة الماضية تزايدت المخاطر المحيطة بالقطاع المالي، فعلى سبيل المثال، ارتفعت المخاطر السيبرانية نتيجة الاعتماد المتزايد على التقنيات المالية الحديثة، سواء كان ذلك من خلال ترخيص البنوك الرقمية، أو من خلال قيام البنوك التقليدية بتقديم منتجات وخدمات مصرفية تعتمد على القنوات المصرفية الإلكترونية، وتزايد الهجمات السيبرانية ونشاط المحتالين .
وأردف، تصدرت مخاطر تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية المشهد العالمي، نظراً لما تحتويه من مخاطر جوهرية تؤثر على النظامين المالي والمصرفي، الأمر الذي يؤكد على أهمية تنسيق الجهود الوطنية والدولية في الاعتماد على التمويل المستدام، وتقديم الحوافز للقطاعات القائمة على المنتجات صديقة البيئة.
أكد أهمية دور التعاون بين كل من وزارات المالية والمصارف المركزية، مع القطاع الخاص في تعزيز الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال وضع خطة استراتيجية لعملية التحول التدريجي للمنتجات الصديقة للبيئة ، إضافةً إلى تبني المصارف المركزية برامج دعم للمشروعات صديقة البيئة، بتمويل بأسعار فائدة وآجال مناسبة، وتعزيز التمويل المستدام ، وتقديم الحوافز للبنوك التجارية وأصحاب المشاريع الصديقة للبيئة بشكل مدروس.
وقال، إن التطور الرقمي يُعد من أهم ركائز مستقبل القطاع المالي والمصرفي، حيث يتجه العملاء بشكل متزايد نحو تنفيذ معاملاتهم المصرفية من خلال التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية ، وفي هذا الإطار، يتمتع كل من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية بقدرة حقيقية على تغيير هيكل الخدمات المالية التقليدية.
وذكر أن تكنولوجيا البلوك تشين – Blockchain أو ما يُطلق عليها اسم سلسلة الكتل، نجحت على مدار السنوات القليلة الماضية، في اقتحام العديد من القطاعات، وإحداث تأثير كبير بها. ويعد من أبرز وأهم القطاعات التي اقتحمتها تكنولوجيا البلوك تشين، واستطاعت إحداث ثورة جذرية بها، هو القطاع المالي والمصرفي ، حيث استطاعت هذه التقنية الواعدة، بفضل ما تتمتع به من مزايا عديدة وما تقدمه من فوائد كثيرة، أن تثبت نفسها كواحدة من أهم الأدوات التي يتم الاعتماد عليها بشكل موسع في القطاع المصرفي بالعديد من دول العالم.
وتابع قائلا: تتسم التكنولوجيا بالتحول في مجال إدارة المخاطر المؤسسية ERM، حيث تعمل التكنولوجيا على تسريع قوتها من خلال جعل العملية أكثر اعتمادًا على البيانات. وتوفر التكنولوجيا للمصارف من القاعدة إلى القمة قدرة قائمة على البيانات لتصنيف المخاطر الحالية وتحديد المخاطر الجديدة بناءً على معلومات موثوقة، كما تجعل التكنولوجيا إدارة المخاطر المؤسسية أكثر مرونة وأكثر رقمية مما يؤدى زيادة فعاليتها بشكل كبير ويتيح للبنك بأكمله المشاركة بسهولة، وهو أمر ضروري للنجاح لكنها في ذات الوقت تتطلب تبنى المصارف استراتيجية إدارة المخاطر الاستباقية التي تراقب باستمرار وصول المستخدم ونشاطه هي الخطوة التالية في تعاملاتهم الإلكترونية. وتوفر التقنية الرقمية والحوسبة السحابية معًا نظامًا أساسيًا متكاملاً وسهلًا يمكن للجميع التفاعل معه بسهولة – لتحقيق أقصى استفادة.
في المستقبل، سيكون ERM أكثر انتشارًا وقائم على البيانات، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من كل قرار وعملية، حيث يساعد استخدام البيانات القوية والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لدفع ERM على تحديد المخاطر بشكل أفضل ويؤدي أيضًا إلى جعل إدارة المخاطر جزءًا من كل نشاط عبر المؤسسة.