كانت “جيب” لسنوات المركبة المفضلة لدى هواة المغامرة على الطرقات الوعرة لقدرتها على أن تخوض مسارات موحلة وصخرية وأن تخرج منها سالمة، ولطالما واجهت شركتها الأم التي كانت “فيات كرايسلر” وأصبحت “ستيلانتيس” (Stellantis) تحدياً في الاستفادة من صورة هذه السيارة المتينة لتستقطب نطاق أوسع من العملاء.
نجحت “جيب” حتى الآن برفع أسعار سياراتها باضطراد، وتمكنت من دخول عالم السيارات الفاخرة، حيث وصلت أسعار بعض مركباتها الرياضية متعددة الأغراض الضخمة إلى 100 ألف دولار. وقد ساعد ذلك الرئيس التنفيذي لـ”ستيلانتيس” كارلوس تافاريس على تحويل الشركة التي كانت ناريخياً منافساً ضعيفاً، لتصبح الأكثر ربحية بين عمالقة صناعة السيارات الثلاثة في ديترويت. إلا أن زيادة الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة سيصعّب الحفاظ على قاعدة عملائها الأوفياء في الولايات المتحدة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.
يصطدم دخول “جيب” سوق المركبات الفاخرة مع توجه المستهلكين نحو المركبات الأرخص. فقد استقطبت اليوم شركات السيارات التي تقدم مركبات أرخص ثمناً مثل “تويوتا” و”هيونداي” بعض شراة “جيب” السابقين كما تهددان بخطف مزيد منهم، فيما وضعت عودة مركبة “فورد برونكو” منافساً حقيقياً في وجه “جيب” على الطرقات الوعرة.
تراجع المبيعات
بشكل عام، تراجعت مبيعات وحدات جيب بنسبة 4% في الربع الأول من العام، وهو التراجع الفصلي التاسع على التوالي، بحسب ما أفادت به “ستيلانتيس” في وقت سابق هذا الشهر. وقد انخفضت المبيعات حتى سبتمبر من هذا العام بنسبة 9%، وأعلنت كافة طرازات “جيب”، ما عدا “كومباس” و”غراند شيروكي” عن تسليم عدد أقل من المركبات على أساس سنوي. يأتي ذلك بعدما كانت مبيعات “جيب” انخفضت أصلاً بنسبة 12% في 2022 و2% في 2021.
تفقد العلامة المرموقة في عالم السيارات الرياضية متعددة الأغراض، التي اشتهرت بفضل مركباتها المتينة من نوع “رانغلر”، عملائها فيما يُظهر قطاع صناعة السيارات الأميركي صلابة في وجه إضراب عمالي تاريخي. فقد أعلنت كل من “جنرال موتورز” و”فورد موتور” و”تويوتا” و”هيونداي” عن أرباح جيدة في الربع الماضي بعد أن غذّى إعادة توفر مخزون المركبات الطلب المكبوت لدى المستهلكين. فشركة “هيونداي” الكورية الجنوبية على وشك الإطاحة بـ”ستيلانتيس” لتصبح رابع أكبر صانع للسيارات في الولايات المتحدة هذا العام، بحسب الشركة البحثية “كوكس أوتوموتيف” (Cox Automotive).
كانت “ستيلانتيس” التي تأسست في 2021 بعد اندماج بين “فيات كرايسلر” مع مجموعة” بي إس إيه” الفرنسية أعلنت عن نتائج الربع الثالث القاتمة بعد وقت قصير من إعلان كريستيان مونييه، الرئيس الدولي لـ”جيب” منذ عام 2019 عزمه ترك منصبه. ويُرجح أن يخلفه الإيطالي أنطونيو فيلوسا، الذي يدير أنشطة صانعة السيارات في أميركا الجنوبية.
تعود جذور علامة “جيب” إلى الحرب العالمية الثانية، وهي لطالما حسدها قطاع صناعة السيارات لقدرتها على فرض أسعار عالية على قاعدة عملائها الأوفياء، ولصورتها كرائدة في مجال المركبات الرياضية متعددة الأغراض. غالباً ما يعدّ مالكو مركبات “رانغلر” سياراتهم بما يعبر عن مشاعر الحرية والتفرد والتفلت من القيود وهي قيم تجسدها سيارات وشاحنات “جيب” المناسبة للطرقات الوعرة، ما يسهم أيضاً في زيادة سعرها.
منافسة شرسة
استفادت “جيب” من هذه الصورة من أجل رفع أسعار مركباتها “رانغلر” بواقع 40% خلال السنوات الخمس الماضية، بما يتجاوز معدل ارتفاع الأسعار في القطاع البالغ 31%، حسب شركة “كوكس”، فيما عملت على دخول سوق المركبات الفاخرة مع طرازيّ “واغونير” (Wagoneer) و”غراند واغونير” (Grand Wagoneer) لتتنافس مع “كاديلاك أسكيلايد” من “جنرال موتورز” و”لينكولن نافيغيتور” من “فورد”.
إلا أن هذا الدخول إلى سوق المركبات الفاخرة في ظل أعلى أسعار فائدة في أكثر من عقدين يعني أن عدداً أقل من المشترين على استعداد لدفع أكثر من 50 ألف دولار للحصول على مركبة دفع رباعي منمقة.
قال مارك كودلا، المدير السابق لتخطيط المنتجات في “فيات كرايسلر” الذي يشغل حالياً منصب استشاري في شركة “نورث ستار فيجن” (NorthStar Vision) الاستشارية في ديترويت: “فقدت محفظتهم صلتها بالمستهلك العادي، لذا أصبحت كامل محفظة (جيب) أقل جاذبية… المدير (جيب) الجديد سيواجه كثيراً من التحديات”.
أفسح هذا الارتفاع في الأسعار المجال أمام منافسي “جيب”، بحسب أليكسندر إدواردز، رئيس الشركة البحثية المتخصصة بالعلامات التجارية “ستراتيجيك فيجن” (Strategic Vision). إذ تواجه “رانغلر” منافسة شرسة من سيارة “فورد برونكو” التي عادت إلى السوق في 2020 بعد توقف لأكثر من ثلاثين سنة، فيما وضعت شركات مثل “هيونداي” و”كيا” و”هوندا”، التي تصنع سيارات رياضية متعددة الأغراض بحجم متوسط وأسعار أرخص مزوّدة بتقنيات جديدة، يدها على حصص في السوق هي الأخرى.
اتخذت “جيب” بعض الخطوات من أجل التعامل مع المشكلة. في سبتمبر، طرحت الشركة مركبتها الأكثر مبيعاً “غراند شيروكي” بسعر أقل، يبدأ من 36 ألف دولار، أي أقل بثلاثة آلاف دولار من السعر الابتدائي للطراز السابق. إذ تبدأ أسعار سيارات “رانغلر” ببابين الأرخص ثمناً من 32 ألف دولار بينما تبدأ أسعار السيارات بأربعة أبواب من 36 ألف دولار. مع ذلك، بلغ معدل سعر التعاملات على مركبة “رانغلر” نحو 59 ألف دولار في سبتمبر، بالمقارنة بمعدل الأسعار في القطاع الذي لا يتجاوز الـ48 ألف دولار للمركبات الجديدة، بحسب “كوكس أوتوماتيف”.
المركبات الكهربائية
إلى ذلك، فإن سعر سيارة “جيب” قابل للارتفاع عند إضافة تعديلات عليها. مثلاً، سيارة “رانغلر” العادية تأتي بلون واحد هو الأبيض، ولكن مقابل 595 دولار إضافية، يمكن للشاري أن يختار بين تسعة ألوان مختلفة، أمّا السيارة بسقف أسود من ثلاث قطع يمكن إزالته، ذات الشعبية الواسعة، فهي أغلى بـ1495 دولاراً.
حققت مبيعات “رانغلر” نتائج إيجابية في أغسطس وسبتمبر، ولكن ذلك لم ينعكس في الأرقام الفصلية، وقال أحد الأشخاص المطلعين على أداء “جيب” رفض كشف اسمه لأنه كان يناقش المبيعات وخطط مستقبلية متعلقة بالمنتج إن الأرباح لم تكن كافية من أجل التعويض عن الأداء في يوليو.
قال الشخص نفسه إن المبيعات تأذت أيضاً بسبب افتقار “جيب” لمركبات رياضية متعددة الأغراض متوسطة الحجم بعدما توقفت عن صنع سيارات “شيروكي” في الربيع، وهي تعتزم ملء هذا النقص. كما تخطط لطرح نموذجين من السيارات الكهربائية في العام المقبل: “ريكون” (Recon) و”واغونير إس” (Wagoneer S)، وهي كانت قد حققت نجاحاً في أوروبا مع مركبتها الكهربائية الأولى “أفينجر” (Avenger).
من جهته، قال جيم ماريسون، رئيس “جيب” في أميركا الشمالية في بيان عبر البريد الإلكتروني إن “(جيب) مستمرة في تحقيق التقدم في السوق ونتطلع للاستمرار في تحقيق النجاح”. وكشف أن الدفعة الشهرية لامتلاك سيارة رانغلر 4xe” من جيب، المركبة الهجينة القابلة للشحن الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة قد تنخفض إلى 399 دولار فقط بعد احتساب الحسم الضريبي على المركبات الكهربائية البالغ 7500 دولار.
تبدأ أسعار سيارات “رانجلر” الهجينة القابلة للشحن الأرخص ثمناً من 49995 دولاراً، أي أنها أغلى بعشرة آلاف دولار من نظيراتها العاملة على الوقود.
مع ذلك، برأي أدويردز من “ستراتيجيك فيجن” فإن معاناة العلامة التجارية ربما لا تقتصر على مجرد تقلبات عادية في دورات المنتج. فالشركة “تنفق من أسهمها” بدل أن “تبنيها”، ما يعني أنها زادت الأسعار من دون أن تقدم ما يكفي من القيمة لتبرير هذه الزيادة.
تبعات سلبية
وفيما تظهر أرقام إدواردز أن “واغونير” و”غراند واغونير” نجحتا في خطف بعض العملاء الجدد من شركات مثل “فورد” و”جي أم سي” و”بي أم دابليو” و”تسلا” و”مرسيدس”، إلا أن حتى هذا النجاح قد تكون له تبعات سلبية، لأنه قد يفقد “جيب” عملاء أوفياء ما عاد بإمكانهم شراء سيارات “رانغلر” جديدة نظراً لارتفاع سعرها.
وقال أدواردز: “على جيب أن تكون أصيلة وصلبة وقوية، ولكن أيضاً أنيقة وراقية، لا يجب أن تكون شيئاً سعره أعلى من متوسط رواتب معظم مالكي السيارات الجدد، فهذا لا يعبّر عن رسالتها الصحيحة”.
بدأ روبرت لوهير، صاحب متجر سيارات “كرايلسير” و”دودج” و”جيب” و”رام” في كارتيرسفيل في جورجيا يشعر بالضغوطات الناجمة عن منافسة الشركات التي تقدم خيارات أرخص. وللتعامل مع ذلك، لجأ إلى بيع مزيد من المركبات المستعملة شهرياً، وهو يجني معظم أمواله من بيع قطع الغيار والخدمات.
مع ذلك يقول لوهير الذي يمثّل صانعة السيارات منذ أكثر من 30 عاماً إنه يتفهم أن رفع الأسعار يهدف إلى زيادة أرباح “ستيلانتيس” كي تتمكن من استثمارها في المركبات الكهربائية، وأثنى على تافاريس لتحويلها إلى “شركة صحية تمتلك النقود… لا بد أن هناك حكمةً ما وراء هذه القرارات، ولكنني اليوم لا أحب ما يجري، أريد أن أبيع أكبر كمية من سيارات الجيب لديّ”.