أجمع خبراء ملاحة على عدم حدوث تأثير كبير على قناة السويس حال تنفيذ مشروع الممر الملاحي بين الهند ودول الشرق الأوسط، مرجعين ذلك إلى ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروع، بجانب زيادة مصروفات شحن البضائع جراء اعتماده على النقل متعدد الوسائط الذي يتضمن نقلا بحريا وبريا وسكك حديد، علاوة على طول مدة الرحلات بين الدول المشتركة فى المشروع، مقارنة بالممر الملاحي المصري الذي يعد أهم وأسرع شريان ملاحي في العالم لا سيما بعد مشروعات التطوير التي تمت مؤخرا، ما يجعل لها الأفضيلة الكبرى.
وواصلت الدولة المصرية تنفيذ خططها الإستراتيجية من أجل تطوير المجرى الملاحي والمرافق والبنية التحتية للقناة والأسطول البحري، علاوة على وضع أفضل السياسات الملائمة والمرنة تنظيمياً وفنياً وتكنولوجياً لزيادة القدرة الاستيعابية للقناة وتشجيع التجارة والاستثمار عبرها، بما يسهم في ضمان استقرار سلاسل الإمداد العالمي، فضلاً عن تقديم العديد من التسهيلات والتيسيرات للسفن العابرة، وهو ما انعكس على ارتفاع معدلات أداء القناة وتحقيق عوائد قياسية من النقد الأجنبي رغم الأزمات العالمية، كما أسهم بشكل ملموس في تغير النظرة الدولية لجهود مصر وإدارتها لهذا المحور الملاحي الذي يكتسب أهمية كبيرة حول العالم.
في هذا السياق، قال يحيى راشد مستشار رئيس هيئة قناة السويس سابقاً، إن الممر الملاحي بين والهند ودول الخليج سيكون تأثيره محدودا على القناة وبنسبة لا تتجاوز 10 % فقط حال تنفيذ المشروع.
وأرجع ذلك إلى عدة أسباب أبرزها نمو حركة التجارة العالمية حالياً، ما يسهم فى حصول الهيئة على حصتها من التجارة التي تعبر القناة والتي تمثل نحو 12 % سنويا بواقع تريليون طن بضائع تقريباً.
وأضاف أن تكلفة المشروع المزمع باهظة جداً بسبب اعتماده على النقل متعدد الوسائط من خلال تنفيذ خط ملاحي بين دولتي الهند والإمارات، ثم يتم نقل الحاويات براً إلى السعودية ومنها إلى الأردن وصولاً إلى ميناء حيفا فى إسرائيل ثم يتم شحن البضائع بحرًا إلى أوروبا.
وأشار إلى أن نقل البضائع من خلال عدة وسائط سيسهم فى زيادة تكلفة الشحن بصورة كبيرة مقارنة بنقل البضائع من شرق آسيا إلى أوروبا مباشراً، الأمر الذى يقلل العوائد الاقتصادية من المشروع.
وحث راشد على ضرورة حصول القاهرة على حصة من البضائع المنقولة عبر ذلك الممر الملاحي، من خلال وصول البضائع الى الموانئ المصرية، ثم يتم شحنها عبر خطوط السكك الحديدية إلى إسرائيل من خلال المشروع الذي تعكف وزارة النقل على تنفيذه والذي يتضمن إنشاء ممر لوجيستي يرط بين طابا والعريش من خلال خطوط السكك الحديدية، ما يساعد في حصول مصر على حصة من المشروع المرتقب..
ولفت إلى أن أمريكا هي التي تولت دراسة تنفيذ الممر الملاحي بين الهند ودول الخليج العربي ليس بهدف التأثير على قناة السويس، ولكن بغرض القضاء على فرص إنشاء طريق الحرير الذي يربط بين الصين دول العالم.
وتم الإعلان عن مشروع الممر الملاحي بين الهند ودول الشرق الأوسط على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة نيودلهي الهندية خلال الشهر الجاري، من خلال مذكرة تفاهم اتفق عليها القادة بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وسيمتد الممر المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر المملكة السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا، فيما يشمل المشروع كابلاً بحرياً جديداً وبنية تحتية لنقل الطاقة، وفقاً لما ذكرته “فاينانشيال تايمز”,
ويهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع، إضافة إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب.
بدوره، أكد المهندس مروان السماك، نائب رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية، أن الممر المرتقب سيكون تأثيره محدودا على قناة السويس بشكل قاطع، مرجعا ذلك إلى انخفاض تكلفة نقل الحاويات من خلال السفن فقط، مقارنة بالنقل متعدد الوسائط.
وأشار إلى أن زيادة حجم السفن البحرية حالياً ستسهم في تقليل الجدوى الاقتصادية للمشروع المزمع، موضحا أن هناك سفنان تستوعب حتى 24 ألف حاوية، ومن ثم حمولة سفينة واحدة قد تحتاج إلى 100 قطار لنقل محتوياتها، ما يزيد تكلفة شحن البضائع عبر ممر الهند مقارنة بالعبور المباشر من قناة السويس.
ولفت السماك إلى وجود تحديات أخري تتضمن صعوبة التضاريس التى تربط بين هذه الدول على سبيل المثال الربط السككى بين الأردن وإسرائيل سيكون صعبًا على الأرض.
وذكر أن طريق قناة السويس أقصر طريق ملاحي يربط بين الهند ودول الشرق الأوسط وكذلك أوروبا من خلال النقل البحري وبأسعار شحن مناسبة مقارنه بالنقل عبر عدة وسائط.
ولفت الى أن النقل البحري يقلل من تلوث البيئة مقارنة بنظيره عبر الوسائل الأخري ما يجلع الشريان المصري العالمي الملاذ الآمن فى نقل الحاويات والبضائع الى أوروبا، فى ظل شروط بيئية وضعها الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن مشروعات تطوير قناة السويس ساهمت فى القضاء على منافسة المسارات الملاحية البديلة، لافتا إلى ان تنفيذ ازدواج قناة السويس ساعد فى عبور عدد أكبر من السفن يومياً، مع انخفاض زمن العبور.
وذكر أنه جار أيضًا تطوير القطاع الجنوبي من القناة بهدف توفير بديل لعبور السفن عند حدوث أى أعطال غير متوقعة، كما حدث مع السفينة إيفرجرين التى عطلت مجرى قناة السويس لعدة أيام بعد جنوحها.
ولفت إلى أنه جار أيضا إنشاء مشروعات سكك حديد بين ميناءى العين السخنة والإسكندرية بهدف الربط بين موانئ البحرين الأحمر والمتوسط، ما يعزز أهمية قناة السويس، لمواجة تحديات الممرات الملاحية المنافسة.
ونشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريراً ضمن سلسلة “أين كنا وكيف أصبحنا”، تضمن إنفوجرافات تسلط الضوء على قناة السويس كأهم وأسرع شريان ملاحي في العالم، بفضل تسع سنوات من مشروعات الازدواج والتطوير والتوسعة والتعميق، لتنجح في تعزيز مكانتها وريادتها وتحقق نقلة نوعية في حركة الملاحة والحمولات والإيرادات والمشروعات.
وكشف التقرير عن الرؤية الدولية الإيجابية لقناة السويس، إذ ذكرت مجموعة أكسفورد للأعمال عام 2022، أن القناة تعد واحدة من أكثر الممرات المائية استخداماً بالعالم وتمثل 12% من حركة الشحن والتجارة الدولية، حيث تعتبر بوابة لوجيستية رئيسية لربط أوروبا بآسيا والشرق الأوسط، فضلاً عن كونها مصدراً رئيسياً للإيرادات، وذلك بعد أن كانت ترى في 2014 أن هناك حاجة ملحة لخطط عملاقة بمليارات الدولارات لتسريع حركة السفن فى قناة السويس، بهدف زيادة الإيرادات بالنقد الأجنبي، ما سيعيد الثقة إلى الاقتصاد المصري.
من جانبه أكد محمد أبوحشيش، مدير الشركة المصرية للتوكيلات الملاحية، أن الإعلان عن الممر الملاحي بين الهند والشرق الأوسط ضمن الحرب السياسية والتجارية بين أمريكا والصين، لن يكون له أى تأثير يذكر على قناه السويس.
ولفت إلى أن الجدوى الاقتصادية من ذلك المشروع ستعوق تنفيذه فى ظل تقليل زمن عبور السفن فى قناة السويس بفضل عمليات التطوير.
بدوره أكد مصدر مسؤول، أنه تم الإعلان عن مسارات ملاحية بديلة لقناة السويس مثل طريق رأس الرجاء الصالح، وكذلك طريق القطب الشمالي، ولم تلجأ الخطوط الملاحية لهذه المسارات بسبب طول مسافة الرحلات ما يزيد تكلفة الرحلات.
وأشار إلى أن تطوير القناة ساهم فى عبور 8 سفن عملاقة يوميًا بعد تعميق المجري الملاحى ما جعله يتناسب مع زيادة أحجام السفن.
وأضاف أن التطوير ساهم أيضاً فى تقليل زمن عبور السفن من قناة السويس يومياً، من 16 إلى 10 ساعات ما يمكن الخطوط الملاحية من زيادة عدد رحلاتها، مالأمر الذي يساعد الخطوط في تغطية مصاريف إيجارها .