ارتفعت أسعار الذهب خلال تداولات اليوم الثلاثاء للجلسة الثانية على التوالي لتبتعد عن أدنى مستوياتها في خمس أشهر، يأتي هذا في ظل تصحيح سلبي في مستويات الدولار ساعد الذهب على التعافي، بينما يظل تركيز الأسواق على حديث رئيس البنك الفيدرالي في جاكسون هول هذا الأسبوع.
تتداول أسعار الذهب الفورية وقت كتابة التقرير الفني لجولد بيليون عند المستوى 1901 دولار للأونصة مسجلة ارتفاع خلال جلسة اليوم بنسبة 0.2% وقد سجلت أعلى مستوى اليوم عند 1902 دولار للأونصة، يأتي هذا بعد ارتفاع آخر خلال جلسة الأمس بنسبة 0.3% بعد تسجيل أدنى مستوى في 5 أشهر عند 1884 دولار للأونصة.
بعد 4 أسابيع من الخسائر المتتالية جاء تعافي أسعار الذهب لجلستين متتاليتين ولكن حتى الآن فشلت الأسعار في اختراق المستوى 1900 دولار للأونصة والاستقرار فوقه، الأمر الذي يبقي حركة التعافي الحالية مجرد تصحيح إيجابي في انتظار تجميع الزخم الصاعد الكافي لتحقيق اختراق للمستويات الهامة.
المشترين في سوق الذهب ينتظرون الوقت المناسب للشراء، ومع تسجيل أسعار الذهب يوم أمس أدنى مستوى في خمس أشهر عادت أوامر الشراء على الذهب بالتزامن مع تراجع في مستويات الدولار الأمريكي وهو الحافز الذي قد يساعد على العودة إلى الصعود من جديد.
مؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية انخفض خلال جلسة اليوم بنسبة 0.2% وسجل أدنى مستوى في ثلاث جلسات، يأتي هذا بعد أداء إيجابي لمؤشر الدولار استمر لخمس أسابيع متتالية، وفق جولد بيليون.
العلاقة العكسية بين الدولار والذهب ساعدت المعدن النفيس على التعافي ولكنه فشل في اختراق مستويات هامة بسبب المستويات القياسية التي تم تسجيلها في عوائد السندات الحكومية.
سجل العائد على السندات الحكومية لأجل 10 سنوات أعلى مستوى منذ عام 2007 عند 4.36% لتستمر العوائد في الارتفاع لما يزيد عن 5 أسابيع متتالية، بينما خلال شهر أغسطس وحده ارتفعت العوائد بنسبة 8.9%.
أداء الاقتصاد الأمريكي المرن زاد من وجهة النظر القائلة بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يبقي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
وبالتالي يعمل ارتفاع أسعار الفائدة على زيادة عوائد السندات ودعم الدولار، مما يجعل الذهب الذي لا يدر عائدا لحائزيه أقل جاذبية.
حديث رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول هذا الأسبوع قد يساهم بشكل كبير في توقع أداء السياسة النقدية للبنك خلال الفترة القادمة، ومن المتوقع أن يشير باول أن الفيدرالي قد استطاع خفض التضخم الرئيسي إلى النطاق المستهدف، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تخفيف الضغط السلبي على أسعار الذهب والمعادن الثمينة الأخرى.
حيادية باول في حديثه أو أية إشارة إلى اقتراب سياسة التشديد النقدي من نهايتها ستعمل على دفع الدولار الأمريكي إلى التراجع وسينعكس هذا بشكل إيجابي كبير على أسعار الذهب ليبدأ في التعافي من جديد.
انحسار مخاوف التباطؤ الأمريكي تحد من فرص الذهب
بعد الأداء المرن للاقتصاد الأمريكي والبيانات الاقتصادية المعتدلة التي صدرت عن قطاع العمالة الأمريكي، بدأت التوقعات تتراجع بشأن سقوط الاقتصاد الأمريكي في الركود الاقتصادي، وبدأ البعض يرى أن سلسلة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي منذ مارس من العام الماضي لم تضر الاقتصاد بشكل كبير كما كان متوقع.
الآن التوقعات تشير إلى حدوث تباطؤ معتدل أو نمو أقل من المتوقع، وهو ما أثر بشكل سلبي على جاذبية الذهب للاستثمار، فالذهب يلعب دور الملاذ الآمن في فترات الركود الاقتصاد والأزمات، ولكن الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي حتى الآن يحرم الذهب من هذا الدور.
ظهر هذا بوضوح على تراجع الإقبال على الاستثمار في صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب والتي شهدت خلال الأشهر الماضية خروج كبير للاستثمارات بسبب الأداء القياسي لأسواق السندات الحكومية الأمريكية، وارتفاع عوائد السندات قصيرة الأجل إلى 5%، وفق تحليل جولد بيليون.
أيضاً حقيقة أن الذهب يتداول في بيئة تشهد معدلات فائدة مرتفعة سواء في الولايات المتحدة أو المنطقة الأوروبية عند أعلى مستوياتها، يمثل ضغط سلبي على أسعار الذهب بشكل عام ويدفع الاستثمارات إلى الخروج لأسواق السندات.
أعلن صندوق SPDR أكبر صندوق استثماري مدعوم بالذهب في العالم عن تراجع إجمالي حيازاته من الذهب إلى أدنى مستوى منذ عام 2020. كما لم يتم الإبلاغ عن أي تدفقات داخلة للصندوق منذ أواخر شهر يوليو الماضي وحتى يوم الجمعة الماضية حين بدأت التدفقات في العودة بنسبة 0.3%.
تقرير مجلس الذهب العالمي الأخير أظهر خروج استثمارات بقيمة 2.3 مليار دولار لتتراجع حيازة صناديق الاستثمار من الذهب بمقدار 34 طن خلال شهر يوليو الماضي، ليمثل هذا الشهر الرابع على التوالي من خروج التدفقات النقدية خارج صناديق الاستثمار وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي.
لكن بشكل عام يجد الذهب دعم آخر من ارتفاع الطلب من قبل البنوك المركزية العالمية على الذهب لزيادة وتنويع احتياطاته.
أيضاً حقيقة أن منحنى العائد على السندات الحكومية الأمريكية يظهر انخفاض غير معتاد الأمر الذي يدل على تراجع العائد على السندات طويلة الأجل مثل استحقاق 10 سنوات و20 سنة و30 سنة، مقارنة مع ارتفاع العائد على السندات ذات الاستحقاق القريب مثل 1 شهر وحتى عامين.
مثل هذا التشوه في منحنى العائد يعتبر دليل واضح على عدم ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد الأمريكي على المدى المتوسط والبعيد وتفضيلهم الاستثمارات قصيرة المدى مما يوفر لهم سرعة الهروب من السندات والتوجه لاستثمار آمن آخر وفي هذه الحالة سيحقق الذهب استفادة كبيرة من استقبال الاستثمارات الهاربة من أسواق السندات الحكومية.
أيضاً انخفاض منحنى عائد السندات الحكومية أصبح علامة متشائمة على مستقبل النمو الاقتصادي الأمريكي، بعد أن تكرر هذا المشهد قبل كل أزمة واجهت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً.
أسعار الذهب في مصر :
شهدت أسعار الذهب في مصر ارتفاع خلال جلسة الأمس وتحاول أن تستكمل الارتفاع خلال جلسة اليوم وذلك بالتزامن مع ارتفاع سعر أونصة الذهب في السوق العالمي، يأتي هذا وسط ترقب كبير في الأسواق لمستقبل سعر صرف الدولار في السوق الموازية بسبب توقعات حدوث التعويم الرابع للجنيه المصري.
سجل سعر جرام الذهب عيار 21 الأكثر شيوعاً اليوم الثلاثاء وقت كتابة التقرير 2270 جنيه للجرام ليرتفع بمقدار 5 جنيهات مقارنة مع سعر افتتاح جلسة اليوم، بينما سجل سعر الجنيه الذهب اليوم 18160 جنيه.
يوم أمس ارتفعت أسعار الذهب بمقدار 10 جنيهات لتغلق عند المستوى 2260 جنيه للجرام، وقد تخلل الجلسة بعد التراجعات المعتدلة في سعر الذهب قبل أن يغلق على ارتفاع بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأونصة العالمية يوم أمس.
الأسواق المحلية تترقب بشكل كبير مستقبل سعر صرف الدولار في السوق الموازية والذي يستخدم في تسعير جرام الذهب المحلي، وذلك وسط تسريبات وشائعات بإمكانية حدوث تعويم رابع للجنيه المصري مقابل الدولار خلال الفترة القادمة بالتزامن مع مراجعة صندوق النقد الدولي، بحسب جولد بيليون.
تسبب هذا في تماسك أسعار الذهب وعدم الاستسلام للتراجع بشكل كبير، خاصة عقب طفرة الأسعار التي حدثت بداية الأسبوع الماضي.
الجدير بالذكر أن الشهادات الدولارية ومبادرة واردات الذهب بدون رسوم جمركية لم تسهم بشكل كبير في دفع أسعار الذهب إلى التراجع، وإن كانت ساعدت على تحقيق باستقرار في التحركات لفترة من الوقت.
ولكن استمر الذهب عند مستويات متماسكة بسبب الثقة المتزايدة من المواطنين في الذهب كملاذ آمن ومخزن للقيمة، خاصة في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي في مصر وعدم وضوح مستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة.
الأسواق في حيرة من أمرها خاصة مع ضعف المؤشرات الاقتصادية وارتفاع مستويات التضخم، وتقارير المؤسسات العالمية التي تشير إلى ضرورة حدوث تعويم رابع للجنيه المصري مقابل الدولار، مثل وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني التي أصدرت توقعات بانخفاض الجنيه المصري مقابل الدولار إلى مستويات 37 جنيه لكل دولار من مستويات الحالية عند 30.95 جنيه لكل دولار، وذلك بحلول نهاية العام.
في المقابل يتمسك العديد بتصريح الرئيس المصري الأخير بشأن سعر الصرف وكونه أمن قومي لمصر، وبالتالي قد لا تلجأ مصر إلى خفض سعر الصرف ومحاولة إقناع صندوق النقد الدولي بعدم جدوى هذه الخطوة خاصة في ظل عدم توافر العملة الصعبة الكافية لاتخاذ مثل هذا القرار، بالإضافة إلى آثاره السلبية على القيمة الشرائية للعملة وارتفاع معدلات التضخم.
أيضاً تجد أسعار الذهب المحلية الدعم من تراجع المعروض من الذهب في مقابل الطلب المتزايد، وذلك بسبب وقف استيراد الذهب منذ مارس 2022 وبالتالي يبقى المعروض المحلي محدود في مواجهة الطلب المرتفع ليعمل هذا على بقاء أسعار الذهب عند مستويات مرتفعة على الرغم من التراجعات الكبيرة التي شادناها في سعر الذهب العالمي.
بينما نجد أن مبادرة واردات الذهب ساعدت على دخول 600 كيلو جرام من الذهب إلى السوق، ولكن في ظل الطلب المرتفع للسوق المصري لم تؤثر هذه الكمية على السعر، وإن كانت ساهمت في تحقيق بعض الاستقرار وتحسين معنويات السوق.
وبالنسبة لوضع استثمار مصر في الديون الأمريكية فقد ارتفعت حيازة مصر من سندات الخزانة الأمريكية بنسبة 148% خلال شهر يونيو الماضي وصولاً إلى 2.73 مليار دولار مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي عندما كانت بقيمة 1.1 مليار دولار.
بينما ارتفع تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأجل 5 سنوات بمقدار 2% خلال آخر 10 أيام تداول وارتفعت تكلفة الديون على السندات لأجل عام واحد بنحو 2.5%، وذلك يعكس تزايد المخاطر الخاصة بالديون المصرية وبالتالي ترتفع تكلفة التأمين.
هذا وقد أشار وزير المالية أن مصر تستهدف الحصول على 3 مليار دولار من أسواق الدين خلال النصف الثاني من العام الجاري، بينما في نوفمبر المقبل يحين أجل استحقاق سندات مصرية بالدولار طرحت عام 2019 بقيمة 500 مليون دولار.
توقعات أسعار الذهب العالمية والمحلية
استطاع أسعار الذهب الفورية الارتفاع من أدنى مستوى تم تسجيله منذ 5 أشهر حيث تحاول حالياً اختراق المستوى 1900 دولار للأونصة وصولاً إلى منطقة 1907-1910 دولار للأونصة والتي تشهد مقاومة تتمثل في المتوسط المتحرك لـ 200 يوم والمستوى التصحيحي 61.8%، واختراق هذه المنطقة يفتح الباب لمستويات 1925 – 1930 دولار للأونصة.
المؤشرات الفنية بدأت تظهر علامات على الخروج من مناطق التشبع في البيع وبالتالي قد يجد الذهب المزيد من الزخم على الصعود ولكن يتطلب الأمر اختراق ناجح للمستوى 1900 والا سيجبر على العودة لمستويات 1880 دولار للأونصة.
وبالنسبة لأسعار الذهب محلياً تحاول حالياً الارتفاع بعد أن منع المستوى 2250 جنيه للجرام عيار 21 الأسعار من الاستمرار في الهبوط، حيث يستهدف السعر حالياً مستويات 2300 جنيه للجرام في ظل تحركات معتدلة حتى الآن.
أما الاتجاه الهابط يدفع سعر الذهب إلى المستوى 2230 جنيه للجرام ومن بعده المستوى 2200 جنيه للجرام ولكن بعد كسر المستوى 2250 جنيه للجرام.