شهدت تحويلات المصريين في الخارج، تراجعات ملحوظة خلال الأشهر الماضية، إذ يأتي ذلك بالتزامن مع أزمة شح العملات الأجنبية بالبلاد التي بدأت مع تخارج الأموال الساخنة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وتعد تحويلات المصريين العاملين في الخارج أحد أهم الموارد الرسمية للدولار لمصر، ولكن سجلت تراجعا خلال الفترة الأخيرة على إثر حدوث أزمة في توافر النقد الأجنبي وتداول سعر الدولار في السوق الموازية للعملة بأعلى من السعر الرسمي في البنوك والصرافات. حيث يأتي هذا الرافد بعد الصادرات مباشرة في ترتيب مصادر الدولار في مصر، حيث يوفر هذا المصدر سيولة دولارية أكثر من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وقناة السويس.
وتباينت تفسيرات تراجع تحويلات المصريين بالخارج خلال الأشهر الماضية، إذ يرجح البعض أن السبب يعود إلى انتظار المصريين في الخارج سعر صرف عادل، فيما أشار آخرون إلى ارتفاع تكلفة المعيشة بالخارج، بينما تشير وجهة نظر ثالثة إلى أن التحويلات يتم استبدالها في الخارج قبل أن تدخل البلاد عبر تجار السوق السوداء، وفقا لـ “انفيستمنت” واطلعت عليه «بايونيرز مصر».
تراجع التحويلات
تراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنحو 26 بالمئة في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023 في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شح العملة الصعبة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري عن أداء ميزان المدفوعات، الصادرة نهاية الشهر الماضي، أن تحويلات المصريين بالخارج انخفضت إلى حوالي 17.5 مليار دولار في الفترة ما بين يوليو ومارس من العام المالي الجاري، مقابل نحو 23.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.
لماذا تراجعت التحويلات خلال الفترة الماضية؟
1- أحد أهم الأسباب التي يجب الإشارة في هذا الشأن، هو الغموض وعدم اليقين الذي يخيم على مستقبل الاقتصاد المصري من ناحية، وسعر الصرف من ناحية أخرى. إذ أحجم المصريين عن تحويل أموالهم خلال الأشهر الماضية بسبب تباين الرؤى والتوقعات بين المؤسسات والبنوك الدولية، إذ يشير أحدهم تارة إلى اقتراب تخفيض الجنيه، فيما يشير آخرون إلى أن التخفيض لن يحدث في القريب العاجل، أو لن يحدث مطلقًا. وهو السبب الذي دفع المصريين في الخارج إلى الانتظار لحين وضوح الرؤية.
2- السبب الثاني والمهم أيضًا، هو السوق السوداء للدولار، إذ أن وجود سعرين للدولار يحفز مرسلي التحويلات على الاستفادة من الفارق السعري واستبدال العملة في السوق الموازية بدلاً من الاتجاه إلى البنوك أو الصرافات الرسمية، حيث يبلغ الفارق بين السعر الرسمي والموازي حوالي 9 جنيهًا، ويبلغ السعر الرسمي 30.95 جنيه للدولار، فيما يتراوح سعر السوق السوداء بين الـ 39 والـ 41 جنيه للدولار الواحد.
3- السبب الثالث، والذي يرتبط بوجود فجوة سعرية بين السوق الرسمية والموازية، هو وجود مجموعات تشتري الدولار من المصريين خارج البلاد قبل أن يتم تحويلها لمصر بسعر السوق السوداء المرتفع، ثم تسلم أسرهم داخل مصر المقابل بالجنيه المصري.
4- أما السبب الرابع، فيرجع إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في الآونة الأخيرة، خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. حيث ارتفعت نسب التضخم في أغلب دول العالم بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، وهو ما أدى إلى انخفاض التحويلات الخارجية إلى مصر.
ماذا فعلت الحكومة لتعويض هذا الانخفاض وتعزيز السيولة الدولارية؟
عززت السلطات المصرية من تحركاتها في عدة محاور من أجل تعزيز السيولة الدولارية بالبلاد، إذ كثفت من جهودها لتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، كما طرحت عدة مبادرات جديدة تستهدف تعظيم الحصيلة الدولارية داخل البلاد، وكان آخرهم طرح أول معاش تأميني بالدولار للمصرين العاملين بالخارج.
1- أول معاش تأميني بالدولار
أطلقت شركة مصر لتأمينات الحياة، بالتعاون مع البنك الأهلي المصري، اليوم الاثنين، أول وثيقة معاش بالدولار، تحت اسم “معاش بكرة بالدولار”.
وتستهدف الوثيقة المصريين العاملين بالخارج، حيث يمكن لحاملها الحصول على معاش تقاعد إضافي، عند الوصول إلى السن الذي يختاره، ويمكن شرائها إلكترونيا عبر التطبيق المخصص لذلك، بحسب بيان من الهيئة العامة للرقابة المالية الصادر منذ قليل.
2- تسوية الموقف التجنيدي
قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان يوم الأحد، إنها ستدشن موقع إلكتروني اعتبارا من، اليوم الاثنين، الموافق 14 أغسطس الجاري لتلقي طلبات المصريين المقيمين في الخارج لتسوية أوضاعهم التجنيدية بشكل نهائي.
وكانت وزارة الخارجية أعلنت في شهر يوليو الماضي أنها ستسمح للمصريين المقيمين في الخارج – ممن سافروا بدون أداء الخدمة العسكرية الإلزامية – بتسوية أوضاعهم التجنيدية مقابل مبلغ 5000 دولار أو يورو.
3- تذاكر القطار
أعلن مسؤول حكومي مصري عن أن مصر تستهدف جمع ما يصل إلى 40 مليون دولار خلال السنة المالية الحالية 2023-2024، من بيع تذاكر القطارات بالدولار للأجانب والعرب، وذلك ضمن أحدث مساعي الحكومة لتوفير العملة الصعبة في البلاد، بحسب تصريحات لـ “اقتصاد الشرق”.
وكانت هيئة “سكك حديد مصر” ، التابعة لوزارة النقل طبقت منذ بداية أغسطس الجاري تعريفة منفصلة لركاب “القطارات المكيفة” من العرب والأجانب بالدولار لأول مرة في تاريخ الهيئة.
4- شهادات دولارية
أعلن بنكي الأهلي المصري وبنك مصر، في وقت سابق، عن طرح شهادات دولارية جديدة بعائد مرتفع. حيث يقدم البنك الأهلي شهادة “الأهلي فورا” الدولارية، وهي شهادة مدتها 3 سنوات ذات عائد سنوي 9%، بفئة 1000 دولار أميركي ومضاعفاته، يصرف مقدمًا بالمعادل بالجنيه المصري عن الفترة كلها بواقع 27% من قيمة الشهادة وتسترد قيمة الشهادة في تاريخ الاستحقاق بالدولار الأميركي.
5- الجنسية مقابل الدولار
قررت الحكومة المصرية، في مارس الماضي، تسهيل منح جنسية البلاد لمن يرغب من الأجانب حال إيداع وديعة مصرفية بالدولار الأميركي أو شراء عقار ودفع ثمنه بالعملة نفسها، حسب ما نشرت الجريدة الرسمية آنذاك.
6- مبادرة السيارات
أطلقت وزارة المالية المصرية، في نوفمبر، مبادرة “تيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج”، والتي تقوم على إعفاء السيارات المستوردة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدّة 5 سنوات، تسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر صرف وقت الاسترداد، وكانت تستهدف منها جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار.
7- شركة استثمار للمصريين بالخارج
قالت وزير الهجرة المصرية منذ قليل إن رأسمال شركة المصريين في الخارج للاستثمار قد يصل إلى مليار دولار وستضم شركات تابعة يمكن طرح حصص منها في البورصة.
وتم الاتفاق على إنشاء شركة مساهمة للمصريين بالخارج، تضم كبار المستثمرين الذين استجابوا لطلب للمشاركة في التأسيس، أو صغار المستثمرين الراغبين في الحفاظ على مدخراتهم وتنميتها، بحسب وزيرة الهجرة السفيرة سها جندي.
8- الطروحات الحكومية.. إجراءات حكومية أخرى
قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي الشهر الماضي، إن حكومته تعمل على زيادة الحصيلة الدولارية خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 191 مليار دولار عبر العمل على زيادة الصادرات السلعية سنوياً بنسبة 20 في المئة، وزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 10 في المئة، ورفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 10 في المئة، مع زيادة إيرادات قناة السويس بنسبة 10 في المئة، وتعزيز إيرادات السياحة بنسبة نمو تبلغ 20 في المئة، وأيضاً زيادة خدمات التعهيد بنسبة 10 في المئة.