تجتمع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، يوم الخميس المقبل، للنظر في أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، وسط اهتمام كبير بالأوساط الاقتصادية عما سيسفر عنه الاجتماع.
وتباينت توقعات المؤسسات المالية وخبراء الاقتصاد بشأن إمكانية تعديل سعر الفائدة، ولكن الأهم من قرار الفائدة، هو ما الذي يشير إليه القرار سواء تم رفع الفائدة أم تثبيتها، وهو ما سنتناوله في هذا التقرير.
وكان المركزي المصري أبقى سعر الفائدة عند 18.25% في اجتماع يونيو، بعد أن رفعها في مارس الماضي 200 نقطة أساس للمرة الأولى خلال العام الجاري، وبمقدار 800 نقطة أساس العام الماضي، سعياً لامتصاص موجة التضخم، ومن أجل جذب استثمارات الأجانب بالعملة الصعبة إلى أدوات الدَّين الحكومية، بعد أن خرج من السوق نحو 22 مليار دولار عقب الأزمة الروسية-الأوكرانية.
فيما يبلغ سعر الفائدة الحقيقي في مصر (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم) سالب 17.45%، وفق أحدث البيانات.
قال هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، إن مصر تعاني بشكل كبير من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر الدولار وخفض الجنيه، ما قفز بمعدلات التضخم لمستويات قياسية، خاصة مع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني.
وفي توقعاته لسعر الفائدة، توقع جنينة رفع الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس لعدة أسباب نسردها فيما يلي.
أولاً: أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي، ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي إلى أعلى مستوى له تاريخيا في شهر يونيو الماضي (41%).
ثانيا: بالرغم من تباطؤ معدل النمو السنوي في نقود الاحتياطي المصدرة من قبل البنك المركزي والتي تعرف بالـ M0 مقارنة بمعدلاتها في أواخر 2022، إلا أن معدل النمو السنوي حتى شهر يونيو الماضي ما زال عند مستوى الـ 28.2% وهو معدل مرتفع إلى حد كبير. ولا شك أن ميزانية المركزي تُظهر وبوضوح استمراره في سحب فوائض السيولة عن طريق عطاءات الودائع إلى أن بلغ رصيد السيولة المودعة 942 مليار جنيه في آخر يونيو مقارنة بـ 611 مليار جنيه في آخر ديسمبر 2022.
ثالثا: وهو عامل مرتبط بالعامل الثاني، فإن بيانات البنك المركزي في آخر مايو 2023 تظهر تسارع حاد في معدل نمو البنكنوت المتداول خارج القطاع المصرفي وصل إلى 25% مقارنة بالعام الماضي وهو معدل نمو يماثل معدلات نمو استثنائية لم تسجل إلا خلال أربع أزمات سياسية واقتصادية تاريخية في أبريل 2011 (+27%) وسبتمبر 2013 (+30%) وفبراير 2017 (+26%) ويوليو 2020 (+30%).
رابعا: نضيف إلى هذه الضغوط الواردة أعلاه ضغوط خارجية متمثلة في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميا مرة أخرى نتيجة للعمليات العسكرية في ميناء أوديسا في أوكرانيا بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفائدة قصيرة الأجل وطويلة الأجل في الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 25 أساس بعد اجتماع الفدرالي وبعد إعلان بيانات الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي.
أسباب تدعم رفع الفائدة
أضاف جنينة أن من أبرز ما يدعم توقعات رفع الفائدة هو ترقب ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود المحددة إداريا، بالإضافة إلى احتمالية انخفاض سعر الصرف إذا ما أبدت الحكومة المصرية رغبتها في إتمام المراجعة الأولى من برنامج صندوق النقد الدولي قبيل أسابيع قليلة من موعد المراجعة الثانية والمقررة في شهر سبتمبر المقبل.
وتابع: لا تزال مصر التي تواجه أيضا صعوبات في توفير تدفقات دولارية تترقب المراجعة الأولى لبرنامج الصندوق – الذي وقعته في ديسمبر لقرض بقيمة 3 مليارات دولار تتيح لها تأمين تدفقات دولارية من شركاء – التي كان مقرر لها منتصف مارس ولم تتم حتى الآن.
وأوضح: رغم التوقعات برفع الفائدة، لكن حساسية الوضع الاقتصادي الحالي قد تدفع المركزي إلى إرجاء قرار التشديد إلى اجتماع 21 سبتمبر. مؤكدًا أن قرار 3 أغسطس يأتي في وقت شديد الحساسية سياسيا واجتماعيا نظرا للمصاعب الذي يواجهها القطاع الخاص من تكرار انقطاع الكهرباء ونقص توافر العملة الصعبة.
وأضاف جنينة: قرار التشديد الحاد – إذا ما تم اتخاذه بالتوازي مع تعديل أسعار الكهرباء والوقود – سيشير إلى قرب انتهاء المراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد، وربما دمجها مع المراجعة الثانية وصرف ما يعادل 700 مليون دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي.
أما إذا ما تم إبقاء سعر الفائدة على ما هو عليه، فاحتمالية الاستمرار في برنامج الصندوق خلال هذا العام ستصبح ضعيفة للغاية وقد يتم إعادة المفاوضات العام المقبل.
في سياق مختلف، قال هاني أبو الفتوح الخبير المصرفي، إن ضغوط التضخم تصاعدت بشكل ملحوظ في يونيو الماضي، حيث وصلت إلى مستويات قياسية، متوقعا أن لجنة السياسة النقدية ستفضل الاحتفاظ بأسعار الفائدة الحالية دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي خلال هذا العام.
وقرر الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة لخامس اجتماع له هذا العام بواقع 25 نقطة أساس لتسجل 5.50% الآن، وتعد هذه الفائدة الأعلى منذ 31 يناير 2001 أي منذ 22 عامًا.
ويأتي قرار الفيدرالي متماشيًا مع توقعات الأسواق حيث توقع 99% من الخبراء والمستثمرين قرار الفيدرالي بالرفع بـ 25 نقطة بعد الوقف المؤقت في اجتماع يونيو الماضي.
أشار إلى أن هذا القرار يأتي في ظل توقعات صندوق النقد الدولي لنمو اقتصاد مصر في عام 2023، حيث يُتوقع أن يتراجع النمو إلى مستوى 3.7% هذا العام. من المهم الإشارة إلى أن أي زيادة في سعر الفائدة قد تؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي الذي بدأ يُظهر تحسنًا طفيفًا مؤخرًا. فعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي في الشهر الماضي لأعلى مستوى في 22 شهراً.
أوضح أن البنك المركزي لديه فرصة لتقييم تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة، وبالتالي تحديد أدوات السياسة النقدية الأخرى التي من الممكن أن تُستخدم لمواجهة التضخم، دون التأثير على تكاليف التمويل للحكومة والمقترضين الآخرين.
وقال مورجان ستانلي ، إنه من المرجح أن يُبقي البنك المركزي المصري على سعر الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقبل المزمع عقده الخميس القادم عند 18.25%، على الرغم تسارع التضخم السنوي مؤخراً لمستوى تاريخي مرتفع عند 35.7%.
وأرجع بنك الاستثمار توقعاته إلى الأخبار الإيجابية بشأن الطروحات العامة الأولية والتحسن المستمر في ميزان المدفوعات.
ومع ذلك، تشير توقعات البنك إلى أن المركزي المصري قد يرفع الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس (2%) في اجتماع السياسة النقدية المخطط عقده في سبتمبر، لتصل إلى 20.25%.
ويرى المصرف الاستثماري أن المزيد من عمليات رفع الفائدة قد يكون مبرراً، إذا كانت مصر تريد إحراز تقدم بالسياسة النقدية التي تركز على كبح التضخم تدريجياً، والتحول إلى نظام سعر صرف مرن للجنيه، كما هو محدد بموجب برنامج صندوق النقد الدولي.
يذكر أن المركزي المصري عقد 4 اجتماعات منذ بداية العام الجاري، رفع خلالها أسعار الفائدة على الودائع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية، مرة واحدة في اجتماع مارس بمقدار 200 نقطة أساس لتصل إلى 18.25% و19.25% و18.75% على الترتيب.