من البديهي القول إن من يتولى منصب أول حاكم جديد للبنك المركزي في لبنان منذ 30 عاماً، سيكون لديه الكثير مما يجب التفكير فيه، وليس فقط السياسة النقدية.
قائمة الأسماء المرشحة قصيرة. حتى الآن، وقبل ثلاثة أيام فقط من تنحي حاكم مصرف لبنان عن منصبه، لم يتحدد بعد اسم الشخصية التي ستخلف رياض سلامة الذي ألقى البعض باللوم عليه في الأزمة التي تعيشها البلاد، والذي صدرت بحقه مذكرة توقيف من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) على خلفية مزاعم بغسل أموال في ألمانيا وفرنسا.
شهدت البلاد حالة من الانهيار منذ الأزمة المالية التي ضربتها عام 2019، والتي نجمت عن تباطؤ التحويلات من اللبنانيين في الخارج وانخفاض حجم المساعدات الخليجية، واللذين أديا إلى تراجع حاد في تدفقات العملة الأجنبية. أصبح سلامة هو الوجه الأبرز للأزمة.
تحقيق أوروبي في تورط مزعوم لحاكم مصرف لبنان بغسيل أموال قيمتها 330 مليون دولار
اتهم المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد الطبقة السياسية بنهب خزائن الدولة لمصلحتهم ومصلحة المقربين منهم، واعتبروا أن حاكم “مصرف لبنان” المخضرم، هو الذي سهّل على الطبقة السياسية شراء الوقت عبر تبني إجراءات محفوفة بالمخاطر والتسبب بكارثة اقتصادية. قضت الأزمة على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في السنوات الثلاث الماضية، فيما فقدت العملة المحلية (الليرة) نحو 90% من قيمتها.
مديونية هائلة
كان لبنان مديناً بنحو 100 مليار دولار في نهاية عام 2022 -بما في ذلك السندات المتعثرة بالعملات الأجنبية (Eurobonds)- ويديره سياسيون فشلوا في الاتفاق فيما بينهم، حتى على ملامح خطة للتعافي. وقّعت البلاد اتفاقاً أولياً بشأن خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار مع “صندوق النقد الدولي” في العام الماضي، لكن يتعين عليها تنفيذ إصلاحات كجزء من الصفقة، وهو ما لم يحدث بعد. طلب “صندوق النقد الدولي” إجراء تدقيق في حسابات البنك المركزي وغيره من المقرضين لتقييم الخسائر غير المعلنة والبدء في إعادة هيكلة القطاع المالي، وتوحيد سعر صرف العملة، واعتماد قانون لمراقبة وضبط رأس المال (الكابيتال كونترول)، وهذه البنود في معظمها تحتاج إلى موافقة البرلمان اللبناني عليها.
عادة ما يتمتع محافظو البنوك المركزية المستقلة بأهمية كبيرة؛ لكن في بلد عانى من جولات متقطعة من العنف والصراع السياسي التي شلّت الدولة في بعض الأحيان، يكون هذا المنصب أكثر أهمية. يعتقد بعض المنتقدين أن لبنان على وشك أن يصبح دولة فاشلة في منطقة مضطربة. على الحدود الجنوبية هناك إسرائيل، وإلى الشمال والغرب هناك سوريا التي أدت الحرب الأهلية فيها والمستمرة منذ 12 عاماً، إلى دخول أكثر من مليون لاجئ عبر الحدود إلى لبنان، وهو ما زاد من الضغوط على اقتصاد البلاد البالغ عدد سكانها 5.4 مليون نسمة. وكذلك، وقع انفجار في مرفأ بيروت في أغسطس 2020، هز العاصمة وقتل المئات، ودمر وسط المدينة والأحياء المحيطة به التي كانت تضج بالحياة.
قال نسيم نيكولاس طالب، الأستاذ المتميز في هندسة المخاطر في جامعة نيويورك، والمحلل اللبناني-الأميركي: “ما نحتاجه هو المزيد من الشفافية، والمزيد من المساءلة؛ وإلا، فلن يُحدث اختيار خليفة لسلامة أي فرق”.
في إشارة منه إلى كيفية تأقلم الشركات مع الوضع من دون وجود واردات في بلد تراجعت فيه احتياطيات النقد الأجنبي إلى أقل من 10 مليارات دولار، قال طالب: “الوضع هو الذي يحدد السياسات، وهذا الوضع يتسم بحجم محدود جداً من العملة الصعبة، وباقتصاد يتكيف فعلياً من تلقاء نفسه”.
مناقشات مستمرة من دون نتيجة
منذ أشهر عدة، يُجري السياسيون مناقشات حول تعيين خليفة لسلامة الذي تنتهي فترة ولايته في 31 يوليو. تكثّفت النقاشات يوم الأربعاء، عندما أرسل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مبعوثه الشخصي إلى لبنان، جان إيف لودريان، في محاولة أخيرة لفرض اتفاق بين القوى السياسية المختلفة على رئاسة الجمهوية الشاغرة، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من العقبات أمام تعيين حاكم جديد للبنك المركزي. كما التقى مسؤولون فرنسيون مع نظرائهم في السعودية، لمناقشة فراغ السلطة المحتمل في لبنان.
بموجب القانون، يجب أن يتولى النائب الأول لحاكم “مصرف لبنان قيادة البنك المركزي، على الأقل بشكلٍ مؤقت. لكن وسيم منصوري والنواب الثلاثة الآخرين، حذّروا من أنهم سيستقيلون إن لم تتم تسمية حاكم جديد ودائم للبنك.