قال الكاتب الصحفي محمد الشرقاوي، إن السياسات الاقتصادية المصرية الخارجية تشهد تغيرات جوهرية، على كافة الأصعدة، في محاولات من الدولة للخروج من هيمنة الاقتصاديات الكبرى والسياسات المالية للمؤسسات النقدية العالمية.
وفي 30 مارس المنقضي، نشرت الجريدة الرسمية تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، على القرار رقم 628 لسنة 2023، بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع البريكس، ووثيقة انضمام مصر إلى البنك، ما يعني دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ووافق بنك التنمية الجديد، في ديسمبر 2021- خلال اجتماعات قمة قادة دول البريكس آنذاك- على قبول مصر كعضو جديد، كعضو رابع جديد، في إطار التوسعة الأولى لنطاق الانتشار العالمي، وتنضم إلى كل من بنجلاديش، والإمارات العربية المتحدة وأوروجواي، التي سبقتها بـ 3 أشهر.
وأضاف الشرقاوي، الباحث بقسم الدراسات المصرفية بمركز إيجيبشين انتربرايز للدراسات، أن لانضمام مصر للاتفاقيتين، تداعيات اقتصادية كبيرة، فقد صار بإمكانها الخروج من سطوة البنك الدولي وصندوق النقد، وبالتالي تمتلك انسيابية في التعامل مع التغيرات الاقتصادية على الساحة الدولية.
وأشار إلى أنه على مدار عقود ارتبط الاقتصاد المصري بالسياسات الاقتصادية للمؤسسات الدولية التي تعبر عن مصالح قطب الواحد، والارتباط بمصلحة الدولة المصدرة لها من خلال “الدولار الأمريكي”، مضيفًا: “بالتالي فإنه صار بإمكانها تنويع سلال العملات، واستخدام عملات أخرى في التصدير والاستيراد، وهو ما يترتب عليه الحد من المشاكل الاقتصادية والمالية والنقدية التي تسبب فيها ارتباط الجنيه المصري بالدولار الأمريكي”.
وأردف الباحث بكلية الدراسات الأفريقية العليا، أن الدولة المصرية، تتخذ إجراءات جادة مصرية للهروب من سطوة الدولار، بداية من عقد لقاءات نقاشية وبحثية حول ذلك، بدأت منذ سنوات، ففي فبراير الماضي نظم معهد التخطيط القومي الحلقة الخامسة من لقاء الخبراء للموسم العلمي 2022 /2023 تحت عنوان: (آلية تبادل الجنيه المصري مع بعض العملات الوطنية لتجمع البريكس)، ناقش مجموعة من القضايا والموضوعات منها تقييم آليات تبادل الجنيه المصري مع بعض العملات الوطنية لتجمع البريكس من خلال مناقشة مدى قوة ومستقبل ومؤشرات هيمنة الدولار على المعاملات التجارية، خاصة وأنه يمثل 80% من حجم التبادل التجاري، و65% من حجم الاحتياطيات العالمية، ويتم من خلاله تسوية المديونيات وهو العملة الأرخص عند إجراء SWAPS.
وتابع أن إدراج البنك المركزي الروسي، في 28 يناير الماضي، للجنيه المصري ضمن قائمة العملات التي تحدد سعرها أمام الروبل الروسي، خطوة تخفف الضغط على مصر في استخدام الدولار وينعش العملة الروسية مقابل الدولار، فوفقًا لحجم وقيمة الدولارات التي ستوفرها من عملية التبادل، فإن هذه الخطوة ستؤثر بالسلب على الحصيلة الدولارية التي تجنيها مصر من التعامل مع روسيا، والتي تزيد قيمتها على 3.5 مليار دولار، وتتضمن صادرات روسية وعوائد السياحة والتي تمثل أكثر من 30% من إجمالي قيمة السياحة في مصر.
وأشارت أنه وفقاً للأرقام الرسمية، فإن قيمة التبادل التجاري بين مصر وروسيا تقترب من 5 مليارات دولار، حيث أظهرت الأرقام الرسمية أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2021 سجلت نحو 4.7 مليار دولار مقابل 4.5 مليار دولار خلال عام 2020، وذلك مع احتمالية ارتفاعها في 2022 و2023.
وبلغت قيمة الواردات المصرية من روسيا أكثر من 3.3 مليار دولار خلال 2022، فيما سجلت الصادرات المصرية الى روسيا 489.6 مليون دولار خلال عام 2021 مقابل 423.3 مليون دولار، خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 15.7%.
وتقدر حجم الاستثمارات الروسية في مصر عبر 400 شركة بإجمالي استثمارات 7.4 مليار دولار، كما أنه من المقرر إجراء مشروع الضبعة النووي، بتكلفة استثمارية قدرها 29 مليار دولار منها قرض وتمويل روسي قدره 25 مليار دولار.
وأكد محمد الشرقاوي، أنه بالقياس على ذلك، فإن الانضمام المصري لتجمع البريكس سيخفف بالتأكيد الضغوط الدولارية وتداعيات برامج الإصلاح في ظل الاقتصاد العالمي المهتز، وأن الدولة تؤكد بذلك سعيها إلى إنهاء الهيمنة والخروج من سطوة عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، بما يعزز نهجها في سياسة مستقلة، تخدم مصالح شعبها.
ما هو تجمع البريكس؟
أحد أهم التكتلات الاقتصادية عالمياً، يضم في عضويته: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وسمي من اختصار الأحرف الأولى للدول المكونة المنظمة.
يمثل تجمع البريكس نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمي، بدول تقدر مساحاتها بنحو 26% من مساحة العالم، بإجمالي 43% من عدد السكان، وثلث إنتاج الحبوب.
وفي يوليو 2008، تم عقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول الـ”بريك”، الذي دشنته روسيا، في جزيرة هوكايدو اليابانية، حيث اجتمعت آنذاك قمة الثماني الكبرى، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيراه الصيني، هو جين تاو، والبرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ، واتفقوا على مواصلة التنسيق والتعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.
وفي عام 2010، انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة، ليتم تغيير المسمى إلى “بريكس”، وتواصلت الاجتماعات في 15-16 يوليو 2014، حيث قررت البرازيل إنشاء بنك للتنمية، وتبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، بنحو 200 مليار دولار – آنذاك.
ويهدف تجمع “بريكس” لتكوين تكتل موازي لمنافسة مجموعة السبع الكبرى، التي تمثل نحو 60% من الثروة العالمية،
وإيجاد سبل للحد من السطوة الرأسمالية الأمريكية والأوروبية على الاقتصاد العالمي، وبالتالي الخروج من سطوة الدولار الأمريكي واستخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري.
الهياكل الاقتصادية لتجمع البريكس
بنك التنمية الجديد (NDB)
في يوليو 2014، اتفق قادة دول بريكس، على إنشاء “بنك التنمية الجديد” وصندوق “احتياطي نقدي” جديد، بقيمة 50 و 100 مليار على التوالي يكون مقره “شنغهاي”.
ترتيبات الاحتياطي الاحتمالي لبريكس
وهي (BRICS Contingent Reserve Arrangement) واختصاراً (BRICS CRA)، هو إطار لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية، وبالتالي دعم الاقتصادات الناشئة التي شهدت التحرير الاقتصادي السريع، في ظل بيئة اقتصادية كلية غير مؤكدة، والتي مرت بزيادة التقلبات الاقتصادية بسبب السياسات النقدية المجحفة.
ويعد (CRA) منافسًا لصندوق النقد الدولي (IMF) ، بينما “بنك التنمية الجديد” مثالاً للتعاون بين الجنوب والجنوب. وتأسست في عام 2015 من قبل دول البريكس.
ويتكون الأساس القانوني من معاهدة إنشاء ترتيب احتياطي احتمالي في البريكس، تم توقيعه في فورتاليزا في البرازيل في 15 يوليو 2014في الاجتماعات الافتتاحية لمجلس إدارة بريكس واللجنة الدائمة له، بينما دخل حيز التنفيذ في 4 سبتمبر 2015 في أنقرة في تركيا.
نظام الدفع لدول بريكس
هو: (BRICS payment system) تم الحديث عنه في قمة بريكس 2015 في روسيا، حين أجرى وزراء دول المجموعة، مشاورات لنظام الدفع الذي سيكون بديلاً لنظام سويفت، وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، آنذاك، في مقابلة أن وزراء المالية والتنفيذيين في البريكس، ليتم وضع أنظمة الدفع والانتقال إلى التسويات بالعملات وطنية، وبالتالي من شأنه توفير قدر أكبر من الاستقلالية.
بعدها دخل البنك المركزي الروسي (CBR) في مشاورات مع دول بريكس لنظام الدفع الذي سيكون بديلاً لنظام سويفت، والفوائد الرئيسية التي تم إبرازها هي “النسخ الاحتياطي” والتكرار في حالة حدوث تعطل في نظام سويفت.
وبدأت الصين في تطوير نظام الدفع الخاص بها والذي يسمى نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك ( ‘CIPS’ ) (Cross-Border Inter-Bank Payments System) والذي سيكون بديلاً لنظام سويفت، وهو نظام مدفوعات بديلة مخطط لـ Swift، من شأنها أن توفر شبكة تمكن الشعوب في جميع أنحاء العالم لإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة.
خطة بريكس بلس BRICS plus
وفي إطار العمل على توسيع التكتل الاقتصادي، للهروب من هيمنة النظام الاقتصادي أحادي القطب إلى ثنائي القطب، تم الحديث عن “بريكس بلس” +، في قمة شيامين 2017، بحيث يتم إضافة دول بطريقة معينة إلى المجموعة، مثل جنوب أفريقيا التي انضمت عام 2011، أو دول ضيوف بشكل دائم أو مشاركين بالحوار.
وأبدت الكثير من الدول الرغبة بانضمامها إلى المجموعة مثل، أفغانستان، الأرجنتين، إندونيسيا، المكسيك وتركيا، والحصول على العضوية الكاملة، ففي عام 2010 تم دعوة فلسطين وجنوب أفريقيا (قبل انضمامها) لحضور القمة كمراقب، بينما عام 2014، تم عقد عقد قمة ثنائية بين البريكس ومجموعة UNASUR، وهيو اتحاد دول أمريكا الجنوبية.
وفي قمة أوفا في روسيا، في عام 2015، عقدت روسيا والصين قمة ثنائية بين مجموعتي البريكس وقمة منظمة شنغهاي،، حيث روسيا والصين عضوان بها، وتعد من المنظمات التي تهدف إلى ثنائية القطب في العالم أمنيا وعسكريا.
أما في 2016، وتحديدا في قمة غوا في الهند، تم دعوة مجموعة BIMSTEC، التي تضم دول خليج البنغال وبنغلادش بوتان، وميانمار، ونيبال، وسريلانكا، وتايلاند، بينما في 2017، شاركت دول مصر، المكسيك، طاجيكستان، تايلاند، غينيا، في القمة، بينما عام 2018 شاركت دول الأرجنتين وتركيا في قمة جوهانسبيرغ.
وفي 21 مارس المنقضي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، وجود 16 دولة تريد الانضمام إلى تحالف “بريكس”.