في ظل توقعات الكثير من الخبراء والمؤسسات الاقتصادية والبنوك العالمية بانزلاق الاقتصاد الأميركي والعالمي عموماً إلى الركود خلال العام الجاري، ومع اعتقاد الكثيرين بأن الذهب هو الأداة الاستثمارية الأهم في أوقات الركود، يبرز السؤال الأهم.. هل الذهب وحده الملاذ الآمن للاستثمار وقت الأزمات الاقتصادية وتحديداً الركود؟
ما هو الركود؟
لا يوجد تعريف واحد أو اتفاق محدد على تعريف الركود الاقتصادي، بيد أن المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة يعرفه على أنه “الانخفاض الكبير في مستويات النشاط الاقتصادي، والذي يستمر لأكثر من بضعة أشهر، والمتمثل في انخفاض مستويات الإنتاج والتوظف والدخل الحقيقي وغيرها من المؤشرات “، فيما يراه البنك الدولي متمثلاً في “انكماش اقتصادات العديد من الدول الكبرى في ذات الوقت، بالإضافة الى مؤشرات أخرى تدل على ضعف النمو الاقتصادي العالمي، تتمثل في الانخفاض المطول في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدل البطالة مع انخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات”.
عادة ما يرمز إلى الملاذات الآمنة بالأدوات المالية التي تزداد قيمتها في أوقات الركود والأزمات، حيث يتم استخدامها للتحوط ضد المخاطر، ويلجأ المستثمرون للملاذات الآمنة في محاولة للحفاظ على مدخراتهم في الأوقات الاقتصادية غير المستقرة.
الذهب الملاذ الآمن تاريخياً
يصنف الذهب على مر التاريخ في مقدمة الأصول ذات الملاذات الآمنة، وقد شهدت أسعار الذهب ارتفاعات قوية طوال الفترة الماضية، حيث عادت من جديد إلى مستويات 2000 دولار للأونصة، مع زيادة مخاوف انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود، حيث يزيد الطلب على المعدن الأصفر كأداة رئيسية للتحوط ضد التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، طبقاً لما قاله رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti “، وفق تقرير «اقتصاد سكاي نيوز» وحصلت «بايونيرز مصر» على نسخة منه.
وأوضح الخضر أن ارتفاع الطلب على الذهب ليس سببه مخاوف الركود الاقتصادي أو ارتفاعات التضخم فقط، بل تصاعد توقعات استمرار تراجع الدولار الأميركي في الفترة المقبلة، إذ تستعد الأسواق لبدء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتغيير سياساته النقدية وتخفيض الوتيرة القوية لرفع أسعار الفائدة التي تبناها طوال العام الماضي، وبالتالي الضغط على أداء الدولار الأميركي الفترة المقبلة.
ويشرح الخضر في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الذهب ليس وحده الملاذ الآمن للاستثمار وقت الأزمات، بل هناك عدد من الملاذات الآمنة التي يزداد الطلب عليها وخصوصاً خلال الركود الاقتصادي منها:
السندات الحكومية
منذ وقوع الأزمة المالية في عام 2008، تربعت السندات الحكومية على عرش أهم الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها الناس وقت الأزمات، وتكمن مميزات السندات مقارنة بالذهب بأنها توفر عائداً بجانب الحفاظ على قيمتها. على عكس الذهب الذي يحتفظ بقيمته فقط مع اعتباره أصل دون عائد.
وفي الفترة الأخيرة، أعلن بنك “جيه بي مورجان” أن خيار شراء السندات في الوقت الحالي الذي تسيطر عليه مخاوف الركود الاقتصادي قد يكون الأفضل، ولكن البنك يفضل الاستثمار في السندات ذات العوائد المرتفعة، مع تحقيق أكثر استفادة من التقلبات التي تعاني منها الأسواق العالمية في الوقت الحالي.
الين الياباني
نجح الين الياباني طوال الأعوام الماضية، في اكتساب صفة عملة ذات ملاذ آمن يتم اللجوء إليها وقت الأزمات ومخاوف الركود الاقتصادي مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية.
ويُرجع الخضر السبب الرئيسي وراء هذا الأمر إلى ارتفاع الفائض التجاري الياباني، بالإضافة إلى أن حجم الأصول الأجنبية التي يمتلكها اليابانيون أعلى بكثير من الأصول اليابانية التي يمتلكها الأجانب. وبالتالي وقت الأزمات تعود تلك الاستثمارات إلى الأسواق المحلية ويزداد الطلب على الين، بالإضافة إلى أن بنك اليابان غالباً ما يتبع سياسة نقدية توسعية ومستويات فائدة متدنية، وبالتالي يتجه المستثمرون إلى الاقتراض وشراء الأسهم والسندات المحفوفة بالمخاطر، وفي أوقات الأزمات يتم بيع تلك الأصول مرة أخرى واستبدالها بالين الذي يرتفع قيمته وقتها.
ويضيف رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti “: “ولكن يجب الوضع بعين الاعتبار، أنه على الرغم من اعتبار الين عملة ملاذ آمن، إلا أنها بالمقارنة مع الذهب، فقد نرى ارتفاعات الذهب أقوى وقت المخاوف والتوترات الاقتصادية، فالمعروض من الذهب محدود ويتميز بالندرة، على خلاف العملات التي تكون بيد الحكومات والبنوك المركزية. بالتالي ينجح دائما الذهب في الحفاظ على قيمته كملاذ آمن مقارنة مع الين الياباني”.
من جهته، يقول المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ماس” للاستشارات “يعتقد الكثيرون أن الذهب هي الأداة الاستثمارية الأهم في أوقات الركود والحقيقة قد لا يبدو هذا التصوّر صحيحاً بالمطلق لأن الأزمات قد لا تنعكس في ارتفاع الذهب إلا إذا كانت مترافقة مع طباعة النقد الرخيص من البنوك المركزية وتخفيض أسعار الفائدة إضافةً طبعاً إلى البلد الذي ينتمي إليه المستثمر حيث تختلف الجغرافيا بين بلاد عملتها مستقرة وبين بلاد تخسر عملتها المحلية من قيمتها بشكل مستمر”.
ويرى سلهب ضرورة أن تتضمن محفظة المستثمر أو حتى الشخص العادي نسبة لا تقل عن 20 بالمئة في الذهب لأن فيه قيمة حقيقية ويمكن تسييله في أوقات الحاجة وتبقى قدرته الشرائية مستقرة نسبياً إذا تمت مقارنته مع بقية الأصول، لكن من جهة أخرى هناك العديد من الأدوات الاستثمارية التي قد تفيد في أوقات الأزمات والتراجع الاقتصادي وأهمها:
أسهم الشركات العاملة في السلع الاستهلاكية
تقدم أسهم الشركات التي تعمل في السلع الاستهلاكية خياراً جيداً لأن الناس تبقى بحاجة إلى الكثير من المنتجات اليومية بغض النظر عن وضع الاقتصاد الوطني، ويمكن أن نسميها أسهماً بقطاعات دفاعية أي أنها لا ترتفع كثيراً أثناء فورة الأسواق ولكنها بالمقابل لا تتراجع في أوقات الأزمات وتقدم توزيعات نقدية وعوائد على أسهمها.
قطاع الاتصالات
يعتبر قطاع الاتصالات والخدمات المرتبطة بها سواءً كانت أسهماً أو شركات خاصة قطاعاً ضد الركود ويمكن الدخول في هكذا قطاع من خلال أسهم الشركات مباشرةً أو صناديق استثمار لآجل قصير ومتوسط وكذلك الاستثمار المباشر من خلال الصناديق الخاصة والاستثمارات العائلية.
قطاع الخدمات الطبية والصحية
قد قطاع الخدمات الطبية والصحية الخيار الأقل مخاطرة سواءً الشركات التي تنتج مواداً طبية وصيدلانية، أو الشركات التي تقدم خدمات طبية وإدارة مشافي وكذلك قطاع العيادات الخاصة التي عادة لا تتوقف في أوقات الركود حتى لو تراجع هامش أرباحها.
ويضيف المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ماس” للاستشارات: “إن الاحتفاظ بمستوى كاش لا يقل عن 40 بالمئة من رأس المال حالياً يشكل تحوطاً جيداً سيتم اللجوء إليه لاحقاً للاستثمار وشراء الأسهم في أوقات الركود، والتنويع في الكاش بين عدة عملات رئيسية مستقرة ومنها الدرهم الإماراتي يعطي قيمةً إضافية وتوازناً في تقلبات العملات في حال حدوثها ومنها أيضاً الين الياباني والفرنك السويسري”.