في خطوة تُعد الأجرأ في تاريخ القطاع المصرفي المصري، فرض البنك المركزي المصري غرامة مالية ضخمة بلغت مليار جنيه على بنك أبوظبي الأول – مصر، بعد ثبوت مخالفات جسيمة في منح تسهيلات ائتمانية لشركة بلتون القابضة، التابعة لمجموعة شيميرا الإماراتية، تم استخدامها في أغراض غير المخصصة لها.
لم تقف العقوبات عند هذا الحد، فقد تم إقالة رئيس قطاع المخاطر بالبنك، وفرض غرامات إضافية على كل من بنك الكويت الوطني – مصر بقيمة نحو 170 مليون جنيه، وبنك SAIB بقيمة أقل، في سلسلة من الإجراءات التي وصفت بأنها الأضخم في تاريخ الجهاز المصرفي المصري.
خلفيات الأزمة
شركة بلتون القابضة هي كيان مالي مصري مملوك بنسبة تقارب 56% لمجموعة شيميرا الإماراتية، و7.27% لشركة أكت فايننشال، و5.05% لأحمد أبو هشيمة.
لكن ما أثار الأزمة أن التسهيلات الائتمانية التي حصلت عليها الشركة من بنوك مصرية، تم توجيهها في أنشطة أو استثمارات لم تكن ضمن الغرض المحدد في عقود التمويل، ما يُعد مخالفة صريحة لمعايير منح الائتمان وإدارة المخاطر.
من المسؤول؟
المسؤولية في هذه الكارثة مركّبة وليست أحادية:
1. بلتون القابضة استخدمت التمويل في غير الغرض المخصص له.
2. البنوك الممولة — وفي مقدمتها بنك أبوظبي الأول – مصر — فشلت في ممارسة الرقابة والمتابعة الدورية على أوجه استخدام التمويل.
3. إدارات المخاطر الداخلية قصّرت في رصد الانحرافات مبكرًا، ما سمح بتفاقم الأزمة حتى وصلت إلى تدخل مباشر من البنك المركزي.
دلالات القرار
تحرك البنك المركزي المصري بهذه السرعة والحسم يعكس مرحلة جديدة من الانضباط والمساءلة في النظام المصرفي.
فالغرامة التاريخية لم تكن فقط عقوبة مالية، بل رسالة ردع قوية لكل المؤسسات المالية بأن الرقابة الداخلية ليست خيارًا، بل التزامًا لا تسامح فيه.
ولعل أبرز ما في القرار أنه أعاد هيبة البنك المركزي كمظلة رقابية عليا، وأكد أن القطاع المصرفي المصري – رغم التحديات – يتمتع بقدرة مؤسسية على تصحيح المسار وضبط المخاطر في الوقت المناسب.
كلمة أخيرة
الأزمات المالية ليست دائمًا دليل فشل، بل أحيانًا فرصة لإعادة ترتيب البيت من الداخل.
والقوة الحقيقية للمؤسسات لا تُقاس بحجم أصولها أو أرباحها، بل بقدرتها على مواجهة أخطائها بشجاعة، واتخاذ قرارات تصون الثقة العامة



















































