سجلت أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفاعًا محدودًا خلال تعاملات السبت، بالتزامن مع عطلة البورصة العالمية، وذلك بعد موجة تراجعات حادة للأوقية بلغت 3.3% بنهاية الأسبوع الماضي، متأثرة بقوة الدولار وحركة جني الأرباح، وسط تحسن نسبي في شهية المخاطرة بعد مؤشرات إيجابية بشأن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات، إن أسعار الذهب ارتفعت خلال تعاملات اليوم بنحو 5 جنيهات، ليسجل جرام الذهب عيار 21 نحو 5550 جنيهًا، في حين تراجعت الأوقية بنحو 140 دولارًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي، لتسجل 4114 دولارًا.
وأضاف أن عيار 24 سجل 6343 جنيهًا، وعيار 18 نحو 4757 جنيهات، وعيار 14 حوالي 3700 جنيه، بينما استقر سعر الجنيه الذهب عند 44400 جنيه.
التضخم الأمريكي يدعم ارتداد الذهب
تعافى الذهب جزئيًا أمس الجمعة، عقب صدور بيانات التضخم بالولايات المتحدة لشهر سبتمبر والتي جاءت أقل من التوقعات، ما عزز من رهانات خفض الفائدة.
وأوضحت البيانات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي خلال الاثني عشر شهرًا المنتهية في سبتمبر بنسبة 3%، وهو أقل من التوقعات البالغة 3.1%، ولكنه أعلى من نسبة 2.9% المسجلة في أغسطس، وتوسع مؤشر جميع السلع، باستثناء الغذاء والطاقة، بنسبة 3% على أساس سنوي، وهو أقل بعُشر ما كان عليه في الشهر السابق.
وتشير أداة “برايم ماركت ترمينال” إلى احتمالية بنسبة 96% لخفض الفائدة في اجتماع الفيدرالي يومي 28-29 أكتوبر الجاري.
كما أظهرت بيانات ستاندرد آند بورز جلوبال تسارع نشاط الأعمال في الولايات المتحدة خلال أكتوبر إلى ثاني أعلى وتيرة نمو هذا العام، في حين تراجعت ثقة المستهلك وفق قراءة جامعة ميشيجان المعدلة.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيلتقي الرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية، بالتزامن مع اقتراب مهلة الرسوم الجمركية الجديدة مطلع نوفمبر.
ازدادت التقلبات الجيوسياسية تجاه المعدن الأصفر مع فرض ترامب عقوبات على روسيا على خلفية حرب أوكرانيا، مستهدفًا شركتي النفط لوك أويل وروسنفت.
توقعات قوية رغم التذبذب
يقول إمبابي إن الذهب حقق مكاسب استثنائية هذا العام وصلت إلى 57%، بدعم من التوترات الجيوسياسية، وعمليات الشراء المكثفة من البنوك المركزية، وتوقعات تيسير السياسة النقدية الأمريكية.
ورغم انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات إلى 3.989% وتراجع العوائد الحقيقية، فقد تعرضت الأسعار لتصحيح فني بعد موجة صعود استمرت تسعة أسابيع متتالية، في رابع أطول سلسلة ارتفاع للذهب منذ عام 1978.
والأمر اللافت للنظر هو أن الذهب لم يمدد سلسلة مكاسبه لعشرة أسابيع دون أن يسجل انخفاضًا أسبوعيًا واحدًا على الأقل طوال تاريخ تداوله الحديث.
ويشير تحليل تاريخي للأداء إلى أن فترات الصعود الطويلة غالبًا ما تتبعها تراجعات قصيرة المدى، مع احتمالات سلبية للأداء تصل إلى 100% في بعض الأطر الزمنية، قبل العودة إلى مسار الارتفاع على المدى الطويل.
البنوك الكبرى ترفع توقعاتها
يتوقع جي بي مورجان أن يصل متوسط سعر الذهب إلى 5055 دولارًا للأوقية خلال الربع الأخير من 2026، مع استمرار مشتريات المستثمرين والبنوك المركزية عند متوسط 566 طنًا فصليًا.
كما يلفت مراقبون إلى أن التصحيح الأخير يمثل حركة صحية للسوق، دون أن يغير الاتجاه الصاعد ما لم تحدث تطورات اقتصادية مفاجئة.
يشير التراجع الذي شهده الذهب هذا الأسبوع إلى تصحيح فني طبيعي ناتج عن عمليات جني الأرباح، بعد موجة الصعود القوية التي سجلها المعدن النفيس مؤخرًا، دون أن يعكس ذلك أي تحول جوهري في العوامل الاقتصادية الداعمة للاتجاه الصاعد. فمرحلة التماسك الحالية تُعد جزءًا صحيًا وضروريًا لاستمرار الزخم الإيجابي على المدى المتوسط والطويل.
ويبدو أن الذهب مستعد لاستئناف مساره الصعودي نحو مستويات أعلى بمجرد استقرار حركة السوق، خاصة في ظل توقعات الإبقاء على السياسة النقدية التيسيرية واستمرار الضغوط التضخمية، وهو ما يجعل من التراجع الأخير فرصة شراء لدى العديد من المستثمرين، وليس بداية لانعكاس مستدام في الاتجاه.
ورغم ذلك، فإن الخبراء ينصحون بتوخي قدر من الحذر على المدى القصير، استنادًا إلى أنماط تاريخية تظهر عادةً بعض الضعف المرحلي عقب موجات الارتفاع الطويلة، بينما تظل الأساسيات الداعمة للمعادن الثمينة قوية وتواصل تعزيز جاذبية الذهب كملاذ آمن واستثمار استراتيجي.
في ضوء ما تشهده الأسواق من تذبذبات متسارعة، يبدو أن الذهب لا يزال محتفظًا بمكانته كأحد أهم أدوات التحوط في مواجهة الضبابية الاقتصادية العالمية، فبقاء التضخم فوق المستهدفات، واستمرار حالة القلق من السياسات المالية والنقدية، إضافة إلى تصاعد المخاطر الجيوسياسية، كلها عوامل تجعل أي تصحيح في الأسعار حركة طبيعية داخل مسار صاعد أوسع.
ولذلك، فإن القراءة المنطقية للمشهد تشير إلى أن السوق يدخل مرحلة إعادة التقاط الأنفاس، تمهيدًا لجولة جديدة من الارتفاعات، لا سيما مع استمرار الطلب المؤسسي وقوة مشتريات البنوك المركزية.



















































