تتجدد التوترات بين الولايات المتحدة والصين في ساحة التكنولوجيا، حيث أطلقت بكين تحذيراً قانونياً ضد أي جهة تلتزم بقيود واشنطن المفروضة على شركة هواوي، مما يلقي بظلاله على الهدنة التجارية الأخيرة بين البلدين ويهدد مسار الحوار القائم.
ففي بيان صدر الأربعاء، أعلنت وزارة التجارة الصينية أن التعاون مع القيود الأميركية قد يُعد انتهاكاً لقانون مكافحة العقوبات الأجنبية، دون أن تحدد طبيعة العقوبات المحتملة.
هذا التصعيد يأتي في وقت تؤكد فيه بكين رغبتها في تحسين العلاقات الثنائية.
وكانت وزارة التجارة الأميركية قد حذرت من أن استخدام رقائق هواوي “في أي مكان في العالم” يُعد خرقاً لضوابط التصدير الأميركية، قبل أن تتراجع لاحقاً عن الإشارة إلى الموقع الجغرافي.
من جانبها، اعتبرت الصين أن هذه الإجراءات، التي تعود إلى عهد إدارة ترامب، تقوّض نتائج المحادثات التجارية الأخيرة في جنيف، وفقاً لما ذكرته “بلومبرغ”، واطلعت عليه “العربية Business”.
ووفقاً لمدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة فودان في شنغهاي، وو شينبو، فإن التعديلات الأخيرة تشير إلى استمرار التواصل بين الطرفين على الأقل على المستوى الفني.
وأضاف: “التحدي الآن هو الحفاظ على الزخم الذي تحقق في محادثات جنيف.
آمل أن تُعقد محادثات رفيعة المستوى الشهر المقبل، لكن لا شيء مضمون حتى الآن.”
وفي اليوم ذاته، أبلغ نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو شو السفير الأميركي الجديد لدى بكين، ديفيد بيرديو، بأن بلاده تأمل في تعاون مشترك لتعزيز العلاقات.
جاء ذلك بعد لقاء بين محافظ بنك الشعب الصيني بان قونغ شنغ ووزير الخزانة الأميركي الأسبق تيموثي غايتنر، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركة واربورغ بينكوس.
كما التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي بالرئيسة التنفيذية لجمعية آسيا، كيونغ-هوا كانغ، حيث شدد على ضرورة أن تعمل الصين والولايات المتحدة على إيجاد صيغة للتعايش الإيجابي، بدءاً من تعزيز التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب محادثات رفيعة المستوى في سويسرا مطلع الشهر الجاري، أسفرت عن اتفاق مؤقت على تعليق بعض الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً، رغم استمرار فرض رسوم كبيرة على الواردات الصينية.
ويبدو أن هذه اللقاءات جزء من جهود بكين للحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة، في وقت لا تزال فيه الخلافات حول تكنولوجيا أشباه الموصلات والمعادن النادرة قائمة، إلى جانب اتهامات أميركية للصين بدور في تدفق الفنتانيل إلى أراضيها.
وفي هذا السياق، يرى غراهام ويبستر، مدير مشروع DigiChina في مركز سياسة الإنترنت بجامعة ستانفورد، أن مسار الرسوم الجمركية يسير بشكل مستقل نسبياً عن صراع سلاسل التوريد التقنية، مضيفاً: “إذا تم التوصل إلى اتفاق تجاري شامل، فمن المرجح أن تكون القيود التقنية مطروحة على الطاولة من كلا الجانبين.”
من جانبه، قال المدير التنفيذي لشركة أبتوماتيكا، الدكتور محمد البلتاجي، إن التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة والصين في ملف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة يأتي ضمن إطار صراع استراتيجي طويل الأمد، وليس مجرد توتر عابر أو اقتصادي تقليدي.
وأضاف البلتاجي أن القيود التي تفرضها واشنطن على صادرات الرقائق الإلكترونية المتطورة، وعلى تقنيات تصنيعها، تهدف بالأساس إلى منع الصين من اللحاق بها في سباق الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجال تطوير الرقائق الفائقة السرعة (High-Performance Chips)، المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وقال: “الولايات المتحدة تعتبر مجال الذكاء الاصطناعي والرقائق المتطورة قضية استراتيجية وأمن قومي.
هي لا تسعى فقط لاحتكار السوق، بل لضمان التفوق العالمي عبر منع أي منافس، خاصة الصين، من بناء صناعة منافسة لشركات مثل شركة إنفيديا”.
وبحسب البلتاجي، فإن القيود الأميركية لم تقتصر على تصدير الرقائق، بل امتدت إلى ما يشبه “حظرا دوليا” غير معلن، يمنع حتى الدول الأخرى من شراء رقائق صينية أو تكنولوجيا يشتبه في أنها تطورت عبر “سرقة ملكية فكرية أميركية”، وفق الرواية الأميركية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتجفيف منابع الدعم التكنولوجي للصين، بما في ذلك منع دخول معدات تصنيع الرقائق عالية التقنية من شركات مثل ASML الهولندية، إلى جانب حظر تصدير شرائح “إنفيديا” المتطورة.
رغم هذه القيود، يرى البلتاجي أن الصين أظهرت قدرة كبيرة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي داخليًا، لكنها لا تزال متأثرة بتلك القيود من حيث تسارع النمو.
وتابع: “الصين لن تتراجع عن تطوير هذه الصناعة، حتى لو تأخر ذلك قليلاً. لديها من الموارد البشرية والمعرفية ما يؤهلها للحاق، لكن الأمر يتطلب وقتا واستثمارا هائلا في البحث والتطوير.”
وأشار إلى أن الرهان الأميركي ليس فقط على الفوز المؤقت، بل على منع الصين من الوصول إلى مرحلة “الذكاء الاصطناعي العام” (Artificial General Intelligence – AGI)، والذي يُعتقد أنه سيكون نقطة تحول غير قابلة للعكس في ميزان القوى التكنولوجي عالميا.