بعد خمس سنوات من تثبيت ورفع أسعار الفائدة، يترقب الشارع الاقتصادي المصري والدولي باهتمام بالغ اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري اليوم، وسط توقعات قوية بأن يشهد الاجتماع بداية مرحلة جديدة في السياسة النقدية، تتمثل في أول خفض للفائدة منذ عام 2019.
وقال مصرفيون إن قرار خفض الفائدة هو السيناريو الأقرب، في ضوء تحسن عدد من المؤشرات الاقتصادية التي تمنح المركزي مساحة للتحرك، أبرزها التراجع الكبير في معدلات التضخم، واستقرار سوق الصرف، وتحسن تدفقات النقد الأجنبي، إلى جانب تطورات المشهد العالمي وتوقعات مؤسسات دولية مرموقة مثل “بلومبرج”، التي أشارت في تقاريرها الأخيرة إلى أن البنك المركزي المصري يقترب من كسر دورة التشديد النقدي التي امتدت لسنوات.
التضخم يتراجع… والمركزي أمام فرصة للتهدئة
تراجعت معدلات التضخم السنوي في مصر خلال الأشهر الأخيرة بشكل ملحوظ، إذ سجلت 14.7% في مارس 2025، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بعد أن كانت قد تجاوزت حاجز 38% في منتصف 2023. هذا التراجع يعكس فعالية الإجراءات الحكومية، وتحسن المعروض السلعي، وزيادة الإنتاج المحلي، ما يقلل من الضغوط على الأسعار.
وفي ظل هذا الانخفاض، يطرح خبراء الاقتصاد تساؤلًا جوهريًا: هل حان الوقت ليتحول المركزي من الدفاع إلى الهجوم؟، أي من سياسة كبح التضخم برفع الفائدة، إلى سياسة دعم النمو بتقليلها.
استقرار سعر الصرف… وتدفقات قوية من العملة الأجنبية
شهد الجنيه المصري حالة من الاستقرار النسبي أمام الدولار خلال الأسابيع الماضية، مدعومًا باتفاقات تمويل واستثمار ضخمة من مؤسسات دولية وإقليمية، خاصة بعد توقيع مصر اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، وشركاء تنمية مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
هذا الاستقرار في سوق الصرف، جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي، يمنح البنك المركزي الثقة في تخفيف قبضته النقدية تدريجيًا دون المجازفة باستقرار السوق أو سحب رؤوس الأموال الأجنبية.
توقعات بلومبرج.. وترجيحات المصرفيين
بحسب استطلاع رأي أجرته وكالة “بلومبرج”، فإن أغلبية المحللين الاقتصاديين يتوقعون أن يبدأ المركزي المصري أول خفض في أسعار الفائدة خلال النصف الأول من 2025، وربما يكون ذلك خلال اجتماع اليوم. وأشار التقرير إلى أن مصر باتت في وضع أفضل يسمح لها بتشجيع النمو الاقتصادي دون التضحية بالاستقرار النقدي.
وأكد عدد من المصرفيين المحليين أن المؤشرات تدعم هذا الاتجاه، حيث قال أحد كبار مديري الخزانة في بنك خاص: “البيئة الاقتصادية أصبحت أكثر ملاءمة لخفض الفائدة، بعد أن كانت المخاطر الخارجية هي العائق الأكبر خلال العامين الماضيين.”
بين الترقب والتحفظ.. السوق يستعد لكل الاحتمالات
رغم التوقعات القوية بخفض أسعار الفائدة، فإن البعض لا يستبعد أن يتجه المركزي إلى تثبيت الفائدة مؤقتًا، لمزيد من مراقبة تطورات الأسواق، خاصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وتحركات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة عالميًا.
لكن حتى في حال التثبيت، فإن نبرة التوجه العام نحو التيسير أصبحت واضحة، وهو ما قد تعكسه لغة البيان الصادر عن البنك المركزي بعد الاجتماع، حيث ستكون بمثابة إشارة تمهيدية للأسواق قبل اتخاذ خطوة فعلية في الاجتماعات المقبلة.