توقّع عدد من بنوك الاستثمار أن يُقدِم البنك المركزي المصري على خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل يوم الخميس، في ثاني اجتماع للجنة السياسة النقدية منذ بداية العام، وذلك في ظل تباطؤ معدلات التضخم، وارتفاع معدل الفائدة الحقيقي إلى مستويات قياسية، بالرغم من حالة عدم اليقين السائدة نتيجة التوترات التجارية العالمية الأخيرة.
أظهر استطلاع أجرته “الشرق” شمل 11 بنكاً استثمارياً، أن هناك إجماعاً واسعاً على اتجاه البنك المركزي نحو تقليص أسعار الفائدة الأساسية، مع تباين التقديرات بشأن حجم الخفض المتوقع، والذي تراوح بين 100 و300 نقطة أساس، وفقاً لتحليلات الخبراء.
بنوك الاستثمار التي شاركت في الاستطلاع شملت: “إي إف جي القابضة”، “بلتون”، “النعيم”، “زيلا كابيتال”، “سي آي كابيتال”، “الأهلي فاروس”، “برايم”، “مباشر المالية”، “ثاندر”، “كايرو كابيتال”، و”عربية أون لاين”.
ويستند هذا التوقع إلى التباطؤ الحاد في وتيرة التضخم، حيث تراجع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية من 23.2% في يناير إلى 12.8% في فبراير، قبل أن يسجل 13.6% في مارس. هذا التراجع ساهم في ارتفاع معدل الفائدة الحقيقي – وهو الفرق بين الفائدة الاسمية ومعدل التضخم – إلى قرابة 14%، وهو أعلى مستوى يُسجَّل منذ أكثر من عقد، ما يمنح صناع القرار النقدي فرصة للتحرك نحو سياسة تيسيرية.
ارتفاع الفائدة الحقيقية يفتح المجال
يرى محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في “إي إف جي القابضة”، أن هناك مجالاً أمام البنك المركزي لخفض الفائدة بنسبة تتراوح بين 2% و3% في الاجتماع المقبل، مستنداً إلى ارتفاع الفارق بين معدل الفائدة والتضخم، وهو ما يوفر مساحة مريحة لاتخاذ قرار التيسير، حتى وإن كان حذراً، في ظل الأوضاع العالمية المتقلبة.
تأثير التوترات التجارية على القرار
رغم المؤشرات الإيجابية على صعيد التضخم، إلا أن حالة عدم اليقين الناتجة عن التوترات التجارية العالمية، خاصة بعد قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على عدد كبير من الدول، من بينها مصر، لا تزال تلقي بظلالها على القرار. فقد أعلنت واشنطن تعليق هذه الرسوم لمدة 90 يوماً باستثناء الصين، التي فُرضت عليها رسوم تصل إلى 125%، ما تسبب في اضطرابات بأسواق السلع وسلاسل الإمداد العالمية.
هذه التطورات أثارت مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وعودة موجات التضخم المستورد، وهو ما قد يدفع بعض المستثمرين إلى إعادة تقييم استثماراتهم في الأسواق الناشئة ومن ضمنها مصر.
فرصة لخفض الفائدة قبل رفع أسعار الوقود
تُشير تحليلات أخرى إلى أن اجتماع المركزي يمثل فرصة مناسبة لاتخاذ قرار خفض الفائدة قبل أي تحرك مرتقب لرفع أسعار الوقود، في ظل توقعات بانعقاد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية هذا الشهر لتحديد الأسعار الجديدة للربع القادم، وهي المرة الأولى منذ رفع الأسعار في أكتوبر الماضي.
وفي هذا السياق، ترى سلمى طه حسين، رئيسة قسم البحوث في “نعيم للوساطة”، أن الانخفاض الكبير في التضخم يتيح للبنك المركزي فرصة مراجعة سياسته النقدية دون مجازفة بعودة الضغوط التضخمية في الأجل القصير.
ضغوط محلية وقلق من تخارج المستثمرين الأجانب
من جهتها، ترى إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بـ”الأهلي فاروس”، أن خفضاً بواقع 200 نقطة أساس سيكون مناسباً بالنظر إلى الفارق الإيجابي في الفائدة الحقيقية. لكنها حذرت في الوقت ذاته من تداعيات القرارات التجارية الأميركية، التي قد تدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى الخروج من أدوات الدين المصرية إذا ما شعروا بزيادة المخاطر، ما يستوجب توخي الحذر في قرارات السياسة النقدية.
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أشار مؤخراً إلى أن السوق المحلية شهدت بالفعل خروجاً محدوداً للأموال الساخنة بالتوازي مع تطورات الأسواق العالمية، وهو ما يعكس حساسية الأوضاع الحالية تجاه القرارات الدولية.
ضعف القطاع الخاص يدعم التيسير
وتضيف “النعيم” في تقريرها أن تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى ما دون 50 نقطة في مارس، للمرة الأولى هذا العام، يعكس ضعفاً في نشاط القطاع الخاص غير النفطي، وهو ما يدعم الحاجة لتوفير بيئة تمويلية أفضل عبر خفض تكلفة الإقراض، بما يعزز من قدرة الشركات على التوسع والاستثمار.
يرى عمرو الألفي، رئيس قطاع الاستراتيجيات في “ثاندر”، وهيثم فهمي من “برايم القابضة”، أن خفضاً تدريجياً للفائدة في حدود 200 إلى 300 نقطة أساس سيكون خطوة مناسبة تسمح بدعم النشاط الاقتصادي دون التسبب في خروج الاستثمارات الأجنبية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية والتجارية التي تشهدها الأسواق حالياً.