واصلت الضغوط التضخمية تراجعها في مصر للشهر الرابع على التوالي، حيث انخفض التضخم الأساسي إلى 26.6% في يونيو 2024، وذلك استجابة لسياسة التقييد النقدي التي يتبعها البنك المركزي خلال الفترة الأخيرة.
سياسة التقييد النقدي للبنك
ويسعى البنك المركزي جاهداً للسيطرة على التضخم وتحقيق هدفه المتمثل في خفضه إلى رقم أحادي (أقل من 10%) خلال عام 2025. ولتحقيق ذلك، يُوظف البنك المركزي جميع أدواته المتاحة، والتى كان أخرها رفع أسعر الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 6% في مارس الماضي، وتعديل أسلوب قبول العطاءات الخاصة بالعملية الرئيسية لربط الودائع لديه للتحول من أسلوب التخصيص إلى أسلوب قبول جميع العطاءات المقدمة، والتى تمكن من خلالها سحب سيولة من الجهاز المصرفي ما يقارب 11.2 تريليون جنيه منذ أواخر أبريل الماضي.
امتلاك البنك المركزي بعض الأدوات
جميع هذه الأدوات التى يتبعها البنك المركزي تهدف بشكل أساسي الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط ووضع الاقتصاد المصري على مسار مستدام للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان استدامة الدين والعمل على بناء الاحتياطيات الدولية، ولكن مع امتلاك البنك المركزي بعض الأدوات الأخرى ومع تساؤل بعض الخبراء مؤخرًا حول إماكنية توجه المركزي إلى استخدام أدوات إضافية للحد من التضخم وعدم تحمل مزيد من الخسائر بسبب ألية السوق المفتوحة، ما يدفعنا إلى التساؤل؛ هل يلجأ البنك المركزي لرفع الاحتياطي الإلزامي لمزيد من السيطرة على معدلات التضخم؟!
وكان البنك المركزي المصري، رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع في البنوك بنسبة 4% في سبتمبر 2022 لترتفع من 14% إلى 18%، وهو ما ساعد بشكل ملحوظ في تباطؤ معدلات التضخم خلال الفترة الماضية.
ويلعب الاحتياطي الإلزامي دورًا رئيسيًا في استقرار النشاط المصرفي والحفاظ على ودائع العملاء، حيث أنه أحد الأدوات التي تلجأ البنوك المركزية لها في حالات استثنائية للتحكم في السيولة بالسوق دون الحاجة لرفع أسعار الفائدة لتحجيم التضخم.
واستطلعت «أموال الغد» أراء بعض الخبراء حول إمكانية أن يلجأ البنك المركزي لرفع الإحتياطي الإلزامي مجددًا بعد أن دعا الدكتور محمود أبو العيون، محافظ البنك المركزي المصري الأسبق، رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي لامتصاص السيولة الفائضة لدى البنوك ومواجهة التضخم.
وأشار الدكتور محمود أبو العيون، في منشور له على صفحة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى أنه ينبغى على صانعي السياسة النقدية رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي مرة أخرى، وإعادة حساب مكوناته وفترة حساب نسبته، لامتصاص السيولة الفائضة لدى البنوك وهي السيولة الحائرة بين الاستثمار في أذون وسندات ترفضها المالية ويقبلها المركزي أسبوعيا، وهو ما يرى أنه سيكلف البنك المركزى خسائر سنوية كبيرة.
سهر الدماطي: رفع الاحتياطي الإلزامي حاليا سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض على الشركات
وفي هذا الصدد، استبعدت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي نائب رئيس بنك مصر سابقًا، أن تلجأ لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي إلى أداة رفع الاحتياطي الإلزامي لمكافحة التضخم.
وترى الدماطي أن هذا القرار سيكون له نتائج عكسية، حيث سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض على الشركات، مما ينعكس سلبًا على الإنتاج والتشغيل، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، مع التأثير السلبي على إيرادات الدولة، ولن يكون له تأثير فعال على كبح جماح التضخم.
وأكدت الدماطي، أن البنك المركزي نجح بالفعل في سحب السيولة من السوق من خلال أدوات أخرى، وبالتالي لا توجد حاجة لرفع الاحتياطي الإلزامي في الوقت الحالي.
وشددت “الدماطي” على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لارتفاع الأسعار، والتي ترى أنها تكمن بشكل أساسي في ارتفاع سعر صرف الدولار الجمركي.
واقترحت خفض سعر الدولار الجمركي بشكل مؤقت كحل سريع للتخفيف من حدة التضخم، خاصة مع ربطه بأسعار العملات الأجنبية، مما يتطلب إعادة النظر في آلية تحديده.
وأشادت “الدماطي” بالقرارات الجريئة التي اتخذها البنك المركزي مؤخرًا، مثل تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة 8% منذ بداية العام الجاري، مؤكدة على ضرورة استمرار هذه السياسة النقدية الحازمة مع التركيز على معالجة مشكلة ارتفاع سعر الدولار الجمركي.
وترى أهمية اتباع نهج متدرج في معالجة التضخم، مع مراعاة جميع جوانب الاقتصاد المصري، مؤكدة على ثقتها في كفاءة السياسة النقدية للبنك المركزي في ظل الظروف الراهنة.
أحمد شوقي يستبعد استخدام أداة الاحتياطي الإلزامي حاليًا.. ويؤكد «معالجة التضخم تتطلب جهدًا شاملًا»
ومن جانبه استبعد الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي، أن يلجأ البنك المركزي المصري إلى رفع نسبة الاحتياطي الالزامي، لافتاً إلى أن هذا القرار له سلبيات تتمثل في خفض قدرة البنوك على الإقراض مما قد يُثبط الاستثمار ويُعيق النمو الاقتصادي، قائلاً “ولكن فى ظل ارتفاع ربحية البنوك والتوقعات بتحقيقها أرباحًا مرتفعة خلال العام الجاري، قد يلجأ المركزي إلى استخدام هذه الآلية عند الضرورة إذا لم يتم السيطرة على التضخم بنهاية العام، على ألا تزيد نسبة الرفع عن 2%”.
أكد على ضرورة اتباع نهج شامل لمكافحة التضخم، يجمع بين الأدوات النقدية والمالية، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للتضخم، مشدداً على أهمية التحول من نمط استهلاكي إلى نمط إنتاجي لترشيد الاستهلاك ودعم النمو الاقتصادي.
يُشير شوقي إلى أن معالجة التضخم تتطلب جهدًا حكوميًا شاملًا يهدف إلى زيادة الإنتاج وتحفيز الاستثمار ، مع التركيز على دعم القطاعات المُنتجة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
عز حسنين: سياسية السوق المفتوحة «الحل الأمثل» لخفض التضخم في الوقت الحالي
وفي السياق نفسه، أعرب الدكتور عز الدين حسنين، الخبير المصرفي، عن استبعاد لجوء البنك المركزي المصري لرفع الاحتياطي الإلزامي كأداة لمكافحة التضخم، مشيرا إلى أن رفع الاحتياطي الإلزامي سيؤدي إلى زيادة تكلفة الودائع والاقراض، مما يدفع البنوك إلى تعويض هذه الزيادة في تكلفة الأموال عبر رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض، مما سيؤثر سلبًا على قدرة الشركات والأفراد على الحصول على الائتمان، وبالتالي يُعيق النمو الاقتصادي.
وأضاف “حسنين” أن رفع الاحتياطي الإلزامي سيُؤثر سلبًا على ربحية البنوك، خاصةً البنوك الصغيرة، موضحاً أن البنك المركزي يتبع سياسية السوق المفتوحة كسياسة بديلة عن الاحتياطي الإلزامي لامتصاص السيولة، مما يُساعد على خفض التضخم دون التأثير على الودائع والائتمان.