تسعى مصر لسداد مديونيات لصندوق النقد الدولي بقيمة 16 مليار دولار بداية من مايو الجاري وحتى نهاية عام 2028، تمثل ضعف أحدث اتفاق تمويلي وقيمته 8 مليارات دولار، كان الصندوق قد وافق على زيادته بقيمة 5 مليارات دولار في مارس الماضي، من 3 مليارات دولار معلنة في ديسمبر 2022.
وتنفس المصريون الصعداء مع إعلان الحكومة حزمة استثمارية ضمن مشروع رأس الحكمة الذي يضمن جذب استثمارات بقيمة 24 مليار دولار تمثل حزمة إنقاذ للاقتصاد قبل أكثر من شهرين، وما أعقبه من تأكيد دعم صندوق النقد الدولي من خلال زيادة تمويله لمصر، وفقا لـ”فوربس الشرق الأوسط”.
وتزامنت هذه الزيادة مع طلب مماثل من باكستان يستهدف مزيدًا من دعم صندوق النقد الدولي أيضًا.
ورغم طلب مصر وباكستان من صندوق النقد الدولي زيادة الدعم المالي مؤخرًا، فإن محللين ماليين أكدوا لفوربس الشرق الأوسط أن الأزمة الاقتصادية في مصر تختلف بشكل كبير عنها في باكستان، وسط تحذيرات من مضي مصر قدمًا في الاستدانة الخارجية لسداد مستحقات الديون.
دائرة الاستدانة وتسديد الديون
حذر رئيس أبحاث السوق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى XS.com، أحمد نجم، في تصريحات لفوربس من استخدام الاقتراض كوسيلة لسداد الديون بسبب بعض المخاطر، ومنها زيادة أعباء الديون، ما يؤدي إلى تفاقم الضغوط المالية التي تواجهها البلاد والحد من مرونة الميزانية فيما يتعلق بالنفقات الأساسية الأخرى، إلى جانب أن الاعتماد على الاقتراض قد يؤدي إلى زيادة التعرض للصدمات الاقتصادية والضغوط الخارجية، مثل عدم الاستقرار الإقليمي أو التغيرات المالية العالمية، والتي يمكن أن تضعف استقرار الاقتصاد.
وسحبت مصر 820 مليون دولار بالتزامن مع موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على زيادة دعمه لمصر في 29 مارس 2024، إلى 8 مليارات دولار، الذي جاء مدفوعًا بالتوصل إلى اتفاق بشأن مشروع رأس الحكمة، وقيام البنك المركزي بتعويم الجنيه ورفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، ما أدى إلى عودة سيولة العملات الأجنبية، ليرتفع احتياطي مصر من النقد الأجنبي بـ16.6% هذا العام وتحديدًا منذ نهاية ديسمبر 2023، ويصل إلى نحو 41.1 مليار دولار في نهاية أبريل الماضي.
وبينما من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تدفقات التمويلات من جهات خارجية تشمل الاتحاد الأوروبي أيضًا الذي اتفق مع مصر على 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار)، تقدر أحدث بيانات للبنك المركزي المصري مستحقات الديون الخارجية لمصر في عام 2024 بنحو 36.4 مليار دولار، اعتبارًا من يناير الماضي، وتتوزع المستحقات المتوسطة وطويلة الأجل بواقع 17.9 مليار دولار في النصف الأول و18.4 مليار دولار في النصف الثاني من العام.
جدول سداد مستحقات صندوق النقد
يتوزع جدول سداد ديون مصر لصندوق النقد الدولي على الشكل الآتي:
5 مليارات دولار (3.8 مليار وحدة حقوق سحب خاصة) من مايو/أيار حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
5.3 مليار دولار في 2025.
2.7 مليار دولار في 2026.
1.8 مليار دولار في 2027.
1.2 مليار دولار في 2028.
وما يدق ناقوس الخطر هو استمرار الحكومة المصرية في الاستدانة بهدف سداد أعباء الديون، وكان وزير المالية المصري محمد معيط قد قال في تصريحات للتليفزيون المصري في وقت سابق إن: “للأسف الشديد نستدين من أجل سداد أعباء الديون.”
وإجمالًا ارتفع الدين الخارجي لمصر بقيمة 5.1 مليار دولار على أساس سنوي ليصل إلى 168 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، فيما كان قد سجل 145.5 مليار دولار في نهاية 2021، و129.2 مليار دولار في نهاية 2020.
وأشار نجم إلى أن: “قد يؤدي اتباع نهج مزيد من الاقتراض إلى تركيز القطاع المصرفي بشكل مفرط على الدين الحكومي، ما قد يؤدي إلى التضييق على نمو القطاع الخاص من خلال تقييد توافر الائتمان.
علاوة على ذلك، يمكن للدين المتصاعد أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، ما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية بين المواطنين”.
مصر ليست باكستان
يقول نجم لفوربس إن كلًا من مصر وباكستان تشهدان أزمات اقتصادية حادة، ما دفعهما إلى طلب مزيد من دعم صندوق النقد الدولي، ونجحت مصر في زيادة تمويلها إلى 8 مليارات دولار، ما يتماشى مع التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تفاقمت بسبب التوترات الإقليمية التي تؤثر في مصادر الإيرادات الرئيسية مثل السياحة وقناة السويس.
ويضيف نجم: “في المقابل، دارت مفاوضات باكستان حول تأمين تمويلات جديدة لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن عدم الاستقرار السياسي الداخلي والآثار الاقتصادية للكوارث الطبيعية.
وعلى كلا البلدين تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق… بما في ذلك ضبط الأداء المالي وتعزيز الإدارة الاقتصادية. ومع ذلك، فإن طبيعة وحجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها كل دولة تختلف اختلافًا كبيرًا”.
وأعلن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي عن استكمال المراجعة الثانية والأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في باكستان المدعوم من اتفاق الاستعداد الائتماني (SPA) مع صرف 1.1 مليار دولار، لتصل قيمة المدفوعات بموجب هذا الاتفاق إلى 3 مليارات دولار، فيما من المتوقع أن تزور بعثة من الصندوق باكستان خلال شهر مايو/أيار الجاري لبحث برنامج جديد مع البلاد التي واجهت مؤخرًا فيضانات ضخمة، ويتوقع الصندوق أن يبلغ النمو 2% في السنة المالية 2024 نظرًا إلى استمرار التعافي في النصف الثاني من السنة المالية 2024، التي تبدأ في يوليو/تموز وتنتهي في يونيو/حزيران التالي.
ويرى نجم أن الوضع الاقتصادي في مصر يتفاقم بسبب الاضطرابات الجيوسياسية، بينما تتعامل باكستان مع تداعيات الأزمة المحلية والناتجة عن الكوارث الطبيعية، ومن ثم فإن الإصلاحات الاقتصادي في كل بلد تختلف بسبب اختلاف التحديات التي يواجهها كل منهما.
ومن جهته يقول مستشار الاقتصاد والأعمال في IBIS Consultancy، علي متولي لفوربس إن محفظة ديون مصر تشمل مزيجًا من الاقتراض الميسر وغير الميسر، مع التركيز على البنية التحتية الاستراتيجية والتنمية الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، قد يميل ملف ديون باكستان بشكل أكبر نحو الاقتراض غير الميسر، ما قد يؤدي إلى زيادة التعرض للصدمات الخارجية وضغوط خدمة الديون.
وعدلت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر إلى “إيجابية” من “مستقرة”، في 3 مايو/أيار الجاري، بسبب تراجع مخاطر التمويل الخارجي على المدي القريب.
الإدارة الفعالة
تتضمن الإدارة الفعالة للتمويلات من المؤسسات المالية الدولية عدة نقاط مهمة تشمل إعطاء الأولوية للاستخدام الشفاف والمسؤول للأموال.
وينطوي ذلك على تنفيذ مشاريع وإصلاحات من شأنها تعزيز الإنتاجية الاقتصادية، وتشجيع النمو الشامل، وتعزيز قدرة البلاد على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية، بحسب متولي.
ينبغي لمصر أن تضمن تخصيص أموال المؤسسات المالية الدولية بكفاءة، مع التركيز على المشروعات التي تساهم في التنمية المستدامة على المدى الطويل والحد من الفقر. بالإضافة إلى ذلك، يجب على مصر الالتزام بممارسات الحوكمة السليمة ومراقبة النتائج لتعظيم تأثير الدعم المالي من المؤسسات المالية الدولية.
وتستهدف وزارة المالية خفض الدين الحكومي العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 88.2% في السنة المالية 2025، من 95.8% في السنة المالية الماضية، لكن فيتش كانت قد حذرت من أن المعدل المذكور لا يزال أعلى بكثير من المتوسط البالغ 57.9%.
وذكر متولي أن خفض الدين كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي مرهون بعوامل خارجية مختلفة أيضًا، بما في ذلك وتيرة وتوقيت تعديلات السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
إذ يمكن أن تؤثر التغيرات في أسعار الفائدة الأميركية في الظروف المالية العالمية، ما يؤثر في تكاليف الاقتراض ومعنويات المستثمرين في الأسواق الناشئة مثل مصر. ولذلك، فإن التعامل مع الظروف الخارجية بفاعلية سيكون أمرًا بالغ الأهمية في تحديد مدى نجاح مصر في تحقيق أهدافها المتعلقة بخفض الديون.
كما تستهدف مصر النزول بمعدلات الدين لأقل من 80% في 2027، وفقًا لاستراتيجية متكاملة لإدارة الدين.